facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




معركة الكرامة: ملحمة الإرادة والصمود


صالح الشرّاب العبادي
20-03-2025 02:54 PM

حين خطّت الإرادة الأردنية سطور المجد…
في فجر الحادي والعشرين من آذار عام 1968، كتب الجيش الأردني بدماء أبطاله وأرواح شهدائه ملحمة خالدة في تاريخ الأمة العربية ، لم تكن معركة الكرامة مجرد مواجهة عسكرية بين الجيش الأردني وقوات الاحتلال الإسرائيلي، بل كانت لحظة مفصلية أعادت رسم معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بعد نكسة 1967، كانت هذه المعركة اختبارًا للإرادة، وإثباتًا أن الشعوب لا تُهزم مهما اشتدت النكبات، ما دام في قلوب أبنائها إيمان بعدالة قضيتهم واستعداد للتضحية.

ما بعد النكسة: إرادة لا تُكسر

في أعقاب الهزيمة القاسية في حرب حزيران 1967، كانت الجيوش العربية تلملم جراحها، بينما كانت إسرائيل تتصرف كقوة منتشية بالنصر، تتوهم أن طريق التوسع بات مفتوحًا أمامها بلا مقاومة ، في الأردن، لم يكن الأمر مجرد إعادة تنظيم عسكري، بل كان استعادةً لروح القتال والعزيمة التي لم تهزمها النكسة. الجيش الأردني، الذي وجد نفسه في مواجهة عدو متفوق عدديًا وتقنيًا، لم يركن إلى الاستسلام للواقع الجديد، بل بدأ فورًا في بناء دفاعاته في غور الأردن، مستعدًا لجولة قادمة يعلم يقينًا أنها ستأتي.

كان القادة الأردنيون يعلمون أن إسرائيل لن تتوقف عند حدودها، بل ستسعى لتوسيع رقعة احتلالها، خاصة في غور الأردن، الذي يعتبر بوابة استراتيجية للسيطرة على المنطقة، في تلك الفترة العصيبة، كان الجيش الأردني يبني دفاعاته بحرفية عالية، ويحفر الخنادق، ويضع الخطط العسكرية لمواجهة أي هجوم محتمل ، كانت الاستخبارات الأردنية قد حصلت على معلومات دقيقة عن خطة إسرائيل الهجومية، التي كانت تهدف إلى اختراق الجبهة الأردنية من ثلاث محاور، أحدها رئيسي والآخران تضليليان. وهكذا، كان الجيش الأردني على أهبة الاستعداد لمواجهة العدو.

المعركة: بين الحسابات الإسرائيلية وصلابة الدفاع الأردني

خططت إسرائيل للهجوم عبر ثلاثة محاور، كان أحدها رئيسيًا والآخران تضليليان. اعتقدت القيادة الإسرائيلية أن المعركة ستكون سهلة، وأن عبور نهر الأردن سيمثل امتدادًا طبيعيًا لاحتلالها للضفة الغربية ، لكن الجيش الأردني، الذي امتلك معلومات استخباراتية دقيقة عن مخططات العدو، كان مستعدًا لكل خطوة.

انطلقت المعركة فجر 21 آذار، ومعها بدأت قصة صمود أسطوري ، لم تكن المعركة مجرد تبادل للنيران، بل كانت مواجهة بين عقلية الاستعلاء الإسرائيلية وإرادة لا تعرف الانكسار ، على الرغم من القصف العنيف والهجوم الكاسح، كان الأردنيون يدافعون عن كل شبر من الأرض، وكأنها معركتهم الأخيرة. كانت المدفعية الأردنية ترسم في الأفق نيرانًا لم تهدأ، والدبابات تشتبك وجهاً لوجه مع القوات الإسرائيلية، بينما كان الجنود يثبتون أن الشجاعة لا تُقاس بعدد الطائرات أو حجم العتاد، بل بمدى الاستعداد للتضحية.

الحسين بن طلال: قائد لا يساوم على الكرامة

وسط ضراوة المعركة، جاء الموقف الحاسم لجلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله ، الذي رفض كل المحاولات الدولية لوقف إطلاق النار ما لم يتم الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من شرق النهر ، كان يدرك أن أي هدنة دون انسحاب تعني تكريس واقع جديد واحتلال جديد، وهو ما لن يسمح به أبدًا ، كانت رسالته للعالم واضحة ، هذه الأرض لن تكون إلا لأهلها، والمقاومة لن تتوقف حتى يعود المحتل أدراجه.

كان القرار برفض أي محاولة لوقف القتال أو إبرام هدنة إلا بانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من شرق النهر إلى غربه ، حيث أن أي تسوية في ذلك الموقف الحرج الحاسم ستكون بمثابة اعتراف بالهزيمة، وأن الكرامة لا تُساوم ، فكان القرار الحاسم بدعم الجيش وقرار قادته لحظة فارقة في تاريخ المعركة، فكانت رسالة واضحة للعالم بأن الأردن لن يتنازل عن شبر من أرض الأردن .

النتيجة: انتصار الإرادة

بنهاية اليوم، وجدت إسرائيل نفسها أمام حقيقة لم تتوقعها ، لم يكن الأردن ساحة مفتوحة للتمدد أو لقمة سائغة يمكن اجترارها، بل كان مقبرة لأوهام الغزو السهل. انسحب العدو مخلفًا وراءه قتلاه وآلياته المدمرة، بينما بقيت راية الأردن مرفوعة، ليس فقط على الأرض، بل في وجدان الأمة التي رأت في الكرامة أول انتصار عربي حقيقي بعد النكسة.

معركة الكرامة لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل كانت انتصاراً للإرادة العربية، وإثباتاً بأن الأمة قادرة على النهوض من كبوتها إذا توحدت وثبتت على مبادئها ، لقد أعادت المعركة الثقة للعرب بعد نكسة حزيران، وأثبتت أن التفوق العسكري ليس كل شيء، وأن الإيمان بالحق والتصميم على الدفاع عنه يمكن أن يحقق المعجزات.

الكرامة إرث خالد

معركة الكرامة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي إرث خالد يُذكر الأجيال بأن الكرامة لا تُهزم، وأن الأرض لا تُساوم ، لقد كتب الجيش الأردني بدماء أبطاله ملحمة ستظل تُروى للأجيال القادمة، لتذكرهم بأن النصر ليس بالعدة والعتاد فقط، بل بالإيمان والتصميم والإرادة.

في ذكرى معركة الكرامة، نحيي أرواح الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أرضهم وكرامتهم، ونستلهم من بطولاتهم الدروس والعبر، لنبقى أوفياء لإرثهم، وحماة لكرامتنا وأرضنا ، الكرامة لا تُشترى، بل تُنتزع بإرادة الصمود وعزيمة الأبطال.

لماذا كانت الكرامة أكثر من معركة؟

لأنها لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل كانت لحظة استعادة للثقة، وإثباتًا أن الإرادة الوطنية تستطيع أن تتحدى أي تفوق عسكري، كانت رسالة بأن الشعوب الحية لا تموت، وأن كل احتلال، مهما بدت قوته، سيجد أمامه رجالًا مستعدين للدفاع عن وطنهم حتى آخر رمق.

معركة الكرامة لم تكن مجرد يوم في التاريخ، بل كانت شهادة بأن الكرامة ليست مجرد كلمة، بل مبدأ لا يقبل المساومة ، إنها إرث خالد يُذكرنا بأن النصر الحقيقي هو ذلك الذي نحققه عندما نتمسك بمبادئنا وقيمنا رغم كل التحديات ، فلنكن دائمًا جنودًا في هذه المعركة، ولنحمل راية الكرامة عاليًا، لأنها هي التي تجعلنا أردنيون بحق.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :