كيف تتأثر الطاقة المتجددة بأسعار النفط؟
م. عبدالله دحيدل
27-03-2025 11:05 AM
يَشهد العالم تغيراتٍ متفاوتة في قطاع الطاقة بشكل مستمر، وذلك نتيجةَ التقلبات المّرحلية في أسعار النفط والتقدم التكنولوجي في الصناعات الثقيلة، إضافة الى السياسات والإجراءات التي تتبعها الدول في تخفيضِ انبعاثات الغازات الدفيئة للحفاظ على البيئة، ويُعتبر النفط أهم سلعة تؤثر في العديد من المجالات الحيوية كالنقل والتصنيع والطاقة والبتروكيماويات وغيرها من المجالات، وعلى الرغم من هذا التأثير الكبير للنفط الا ان الدول المُنتجة والمُصدرة للنفط بدأت فعلاً بتَنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الإيرادات من هذه السلعة الهامة والتي لا يمكن الاستغناء عنها، من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بالتوازي مع تحصيل الإيرادات النفطية.
يُمكن وَصف العلاقة بين انخفاض أسعار النفط ونُمو الطاقة المتجددة بأنها علاقة طردية وذلك اذا ما عُدنا الى ثمانينيات القرن الماضي، حيث ان انخفاض سعر برميل النفط يعتبر سبباً كفيلاً لإيقاف مشاريع الطاقة المتجددة كالشمسية والرياح وذلك بحكم استخدام هذه المشاريع لغايات توليد الكهرباء، ونظراً لارتفاع تكنولوجيا الطاقة المتجددة سابقاً فانه من غير المُجدي للدول ان تستثمر في هذا المجال حين يقل سعر النفط، والذي يُصاحبه انخفاض في تكاليف انتاج الكهرباء.
أما اليوم فيمكن القول ان قطاع الطاقة المتجددة قد تجاوز مرحلة تأثير انخفاض أسعار النفط والتي لا تُؤثر ذاك التأثير الكبير على الطاقة المتجددة، وبذلك يمكن وصف العلاقة بأنها علاقة عكسية غير مؤثرة، أي ان انخفاض أسعار النفط يُلاحقه ارتفاع ونمو في مشاريع الطاقة المتجددة، ولكنه غير مشروط او مقترن بهذا الانخفاض، ويمكن القول بصيغة أوضح ان الطاقة المتجددة انفكّت نوعاً ما واستقلت استقلالاً جزئياً عن النفط وذلك نتيجة لما يلي:
أولاً: انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة بشكل كبير بين الأعوام 2010-2020 وحتى الان، حيث انخفضت أسعار الطاقة الشمسية بنسبة 85% وطاقة الرياح (على البر) 56% والطاقة الشمسية المركزة 68%، وهو ما جعل الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع منافسة بشكل كبير في انتاج الكهرباء مُقارنة مع التقنيات القديمة التي تعتمد على الفحم الحجري او الغاز والوقود الثقيل.
ثانياً: تطوير خُطط واستراتيجيات امن الطاقة للعديد من الدول ومنها الدول النفطية، حيث ان تنويع مصادر الطاقة يعزز من الامن الطاقي ويعمل على تجاوز الأزمات والصدمات المتوقعة نتيجة الانقطاعات او تقلُبات الأسعار، فعلى سبيل المثال ورغم ان أسعار النفط قد انخفضت بشكل كبير (العام 2014 مثلاً) الا ان دولة كالصين زادت من استثماراتها في الطاقة المتجددة دون توقف وذلك بهدف تقليل الانبعاثات والحفاظ على البيئة وتنويع خليط الطاقة.
ثالثاً: استقرار أسعار بيع الطاقة الكهربائية من مشاريع الطاقة المتجددة والتي تستمر لمدة 25 عاماً بينما لا زال تذبذب أسعار النفط يؤثر على تسعيرة الطاقة الكهربائية المُنتجة من الوقود الثقيل او الفحم الحجري وغيرها، وهي أمور لا يمكن توقعها لأكثر من عام على أحسن تقدير.
رابعاً: تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث ان الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة يُساعد في تحسين الأثر البيئي بغض النظر عن انخفاض او ارتفاع أسعار النفط، فقد اتفقت الدول الصناعية على الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، بل ووضعت العديد منها ما يعرف بالخطة الصفرية لتخفيض الانبعاثات.
من جهة أخرى، يُعتبر تصدير النفط كسلعة الى الخارج بالنسبة للدول النفطية أفضل بكثير من استهلاكه في الداخل، وحيث تساعد مشاريع الطاقة المتجددة على تقليل استهلاك النفط وخاصة تلك المستخدمة في انتاج الكهرباء فانه يمكن بيع ما يتم توفيره الى الخارج بالسعر العالمي بدلاً من استهلاكه بالسعر المدعوم محلياً، وهذا يعزز من الإيرادات نتيجةً لتنويع مصادر الطاقة محلياً.
لقد انتبهت الشركات النفطية الى قطاع الطاقة المتجددة مُبكراً، حيث قامت بالاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وشواحن المركبات الكهربائية إضافة الى انتاج الهيدروجين، وذلك لمعرفتها بأهمية الحصول على حصة في هذا السوق رغم عملها في قطاع النفط، وهو ما يمكن تفسيره باستحداث هذه الشركات خططاً لتنويع مصادرها والتي لا تتأثر بارتفاع او انخفاض أسعار الوقود، حيث ان استثمارات الطاقة المتجددة مستقرة نوعاً ما على اختلاف نسبة العوائد المرجوة منها مقارنة بالنفط، وفي مثال ذلك قيام شركة توتال وبي بي وشل بالاستثمار في اكثر من دولة حول العالم في الطاقة المتجددة، وبل تخصيص ميزانية سنوية لذلك.
ان النفط كسلعة سيبقى عنصراً مؤثراً في قطاع الطاقة ولا يمكن الاستغناء عنه، الا ان مدى استفادة الطاقة المتجددة من هبوط او ارتفاع الأسعار قد لا يكون مؤثراً وذلك بحكم الحاجة الملحة الى تنويع موارد الطاقة وتطوير الاستراتيجيات للعديد من الدول وهو ما يحفظ الامن الطاقي لها، لذلك يمكن القول ان الطاقة المتجددة استقلت نوعاً ما عن النفط وتحديداً في مرحلة هبوط الأسعار أكثر من ارتفاعها، بمعنى ان هبوط أسعار النفط ليس بالضرورة ان يؤثر ذاك التأثير الكبير على نُمو مشاريع الطاقة المتجددة ولن يعمل على ايقافها مستقبلاً كما في السابق.