حين يصبح الهدف هو الامتيازات لا القضية
المحامي الدكتور هيثم عريفج
01-04-2025 01:02 PM
إن تراجع العمل الحزبي في عصرنا الحالي يعود إلى أسباب متعددة، لعل أبرزها طبيعة الأفراد الذين يتصدرون المشهد السياسي داخل الأحزاب. فالكفاءة والالتزام بالمبادئ لم تعد المعيار الأساسي في الاختيار، بل حلت مكانها المصالح الشخصية والرغبة في الحصول على الامتيازات. ونتيجة لذلك، ابتعدت كثير من النخب الفكرية والسياسية عن الانخراط في العمل الحزبي، مما أثر سلبًا على مستوى الأداء الحزبي العام.
في العقود الماضية، كان الانتماء الحزبي ينبع من قناعة راسخة بالفكرة والمبادئ التي يدافع عنها الحزب. الأعضاء كانوا على استعداد لتقديم التضحيات في سبيل القضايا التي يؤمنون بها. أما اليوم، فقد تغيرت هذه الصورة، إذ أصبح الهدف لدى كثير من المنتسبين هو تحقيق مكاسب شخصية ومناصب سياسية، مما أدى إلى تراجع قدرة الأحزاب على استقطاب الجماهير وإقناعهم بالمشاركة في الحياة السياسية.
هذا التغير في التركيبة القيادية للأحزاب أثر بشكل واضح على العمل السياسي، حيث باتت الأحزاب تفتقر إلى القيادات الملهمة القادرة على دفع الشارع نحو التفاعل مع القضايا الوطنية. وبدلًا من التركيز على البرامج والرؤى الإصلاحية، أصبحت الأولوية للبقاء في المناصب والاستفادة من الامتيازات التي توفرها المواقع القيادية.
عندما تتحول الأحزاب إلى مجرد أدوات لتحقيق مصالح شخصية، فإنها تفقد جوهرها كأدوات للتغيير والإصلاح. فبدلًا من أن تكون منابر لمناقشة قضايا الوطن والسعي إلى حلول حقيقية، تصبح منصات للصراعات الداخلية والمنافسة على الامتيازات. هذا الأمر ينعكس سلبًا على ثقة المواطن بالأحزاب ويضعف المشاركة السياسية، مما يؤدي إلى عزوف الناخبين عن صناديق الاقتراع.
لا يمكن تحقيق نهضة سياسية حقيقية دون إعادة الاعتبار للعمل الحزبي القائم على المبادئ والكفاءة. الأحزاب بحاجة إلى إصلاح جذري يعيد التركيز على القضية بدلًا من الامتيازات، ويجذب الكفاءات الوطنية القادرة على إحداث تغيير حقيقي. بدون ذلك، ستبقى الأحزاب مجرد كيانات شكلية تفقد قدرتها على التأثير في مستقبل الوطن والسياسة.