الصندوق الأسود (19) .. ميلاد جديد لننهض مجدداً
د. كفاية عبدالله
03-04-2025 10:21 AM
مخاض عسير لميلاد جديد، لا محيص بعد ألمٍ يحمل معه الأمل من جديد، هي السنة الإلهية للنهوض من جديد. قال الأطباء حينها إنه حمل ضعيف تعتريه مخاطر قد تزيد، ولا سيما أنه طال بها العمر، وهم يظنون أنه رحم عقيم، وما عرفوا أنها ابنة أمةٍ ولّادة لا تشيب، وابنة الغرب تطرح كل يوم أمرًا جديدًا وابتكارًا حديثًا، تكبر كل يوم عدة سنين، تصنع مستقبلًا، ومولود أمتنا لا يزال يحبو أو يميل كلما أراد أن يسير، يتشبث بالجدران، فلا تتزن خطواته إذا أخذ القرار أن يقف من جديد.
إنها الخطوة الأولى قبل المشي، أن تخلع عنك قناعة أنك لا تستطيع، وتتحرر من قيود فكرية بالية تعيق المسير، ومن جمود الفكر، وتكسر قيود الفكر التواكلي، فالسماء لا تمطر مجدًا لمن قعد في الطريق.
ودع عنك بكاء الطفل، فكلما اشتهيت طلبت واستجديت الأبوين: "إني أريد"، فالمستقبل تصنعه أنت بجهدك، ولا يُملى عليك من الغريب. كلٌّ منا مسؤول ويستطيع، إنها قناعة، إذا شربتها ترجمت إلى أفكار وأفعال كي تسير.
إنه الإنسان، بحرٌ وعاء يحمل كنوزًا لمختلف مفردات وأدوات التغيير، وصمته فكر، وأمواجه فعل، وقوافل الخير عبره تسير، تجذيف وتجديد دائمين، فكيف لمجتمع أن ينهض إن لم يرقَ كل فردٍ فيه بالفكر والعمل؟ "إني مسؤول... إني أريد... إني أستطيع..." هي بذرة الخير، تنبتها وترعاها من موقعك حيثما أنت، وإن اختلف العمر والجنس والصنعة، تزرع بستانًا للوطن وأنت له ورد، بإرادة صلبة وعقلٍ كيسٍ فطن، يجيد التخطيط السليم والفعل الصحيح، يملك بوصلةً ورؤيةً ثاقبة، هي خارطته في الطريق.
يجيد هندسة الطريق، وتُعدُّ المؤسسات بنية تحتية للعبور إلى المستقبل المجيد، وهي مساحات متاحة للإبداع والتطوير، حاضنة للابتكار، وأفكار التطوير والعمل المنظم والدؤوب، يسوده روح الفريق. ودع عنك "أنا" و"لي" و"عندي"، فالمجد لا يصنعه فردٌ وحيد بلا معين. غيّر أفكارك، وابحث عن حلول، ولا تكثر الشكوى، فإن المتلفت يتأخر في المسير، وإياك وإسراف الفكر الذي يأخذك بعيدًا عن واقع التطبيق، ولا خير في تخطيطٍ كثير لا يُترجم إلى خطط عملية قابلة للتنفيذ.
هي خطوات مدروسة، توضح ملامح العمل اليومي وأدق التفاصيل، ولكن إياك وفخ البيروقراطية وإجراءات روتينية تقطع عنك الإبداع وتعيق الابتكار الجديد. فبناء الأوطان لا يحتاج إلى وقت طويل، بل إلى عزمٍ وجهد مستمر، يبدأ من اليوم، ولا يقبل التأجيل، فلا يوجد وقت أفضل من الآن، والتغيير يبدأ من الذات، ببناء أفكار تُترجم إلى أعمال، وتصبح نمطًا وأسلوب حياة.
إن رغبة التجديد وحدها لا تكفي إن لم تصاحبها القدرة والعمل على تحقيقها، وكلٌّ منا أداة تغيير، وإياك أن تبقى على قائمة الانتظار، فقطار بناء الوطن غير قابل للانتظار الطويل. على بصيرة، مسؤوليتنا هي بناء الإنسان الذي يؤمن أنه يستطيع، ويستعد لتقديم المزيد. بوعي الأفراد نبدأ، ويكتمل مشروعنا بتفاعل المجموعات في منظومة بناء الوطن الذي يستحق منا الكثير.