محور "موراج": التقسيم الممنهج للقطاع وخطوة نحو التهجير البحري
صالح الشرّاب العبادي
10-04-2025 10:51 AM
كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن محور “موراج” او " محور فيلادلفيا ٢" الذي تعمل إسرائيل على إنشائه جنوب قطاع غزة، ضمن خطة ممنهجة لتقطيع أوصال القطاع وعزل مناطقه عن بعضها البعض، في تكرار لنمط السيطرة والفصل الذي بدأ مع محور “نتساريم”، حيث تم فصل شمال القطاع عن وسطه.
يقع محور “موراج” جنوب مدينة خان يونس، ويمتد من منطقة معبر “صوفا” شرقاً إلى ساحل البحر غرباً، وبذلك يفصل مدينة رفح بالكامل عن خان يونس، ويضع حدوداً جديدة تخدم المخطط الإسرائيلي لعزل مدينة رفح عن بقية القطاع وعن ( محور فيلادلفيا- صلاح الدين ) الحدود المصرية.
الأهداف الإسرائيلية من السيطرة على محور موراج:
1.تفريغ رفح: بعد أن جرى افراغ الشمال وتوجه الشعب الغزي الى مدن خان يونس ورفح في مراحل سابقة يقوم الاحتلال بتفريغ النازحين والسكان ودفعهم إلى شمال القطاع، لكن من دون السماح لهم بالمرور عبر محور “نتساريم” الى الشمال ، تم إجبارهم للتوجه نحو منطقة “المواصي” غرب خان يونس، وهي منطقة منتخبة للنزوح اليها ( ساحلية مغلقة).
2.محاصرة سكان رفح: إن إنشاء محور “موراج” بهذا الشكل يعني عزل رفح وما تبقى من جنوب خان يونس، ودفعهم قسرياً نحو منطقة المواصي، لتكون المنطقة الوحيدة المتبقية لسكان الجنوب، ما يهيئ لمرحلة جديدة من التهجير.
3.عزل المحور الحدودي (فيلادلفي): إسرائيل ترفض الانسحاب من محور “فيلادلفيا” (أو صلاح الدين) الحدودي مع مصر، وهذا المحور يرتبط باتفاقيات دولية – ملحق باتفاقية كامب ديفيد – . ولتجنّب خرق هذه الاتفاقية، وتجنب المواجهة مع مصر ، تقوم إسرائيل بإنشاء محور بديل داخل القطاع يكون منطقة عازلة وأمنية فاصلة عن مصر ، بعيد عن المحور المتفق عليه بمسافة لا تخرق هذه الاتفاقية ..
4.التهجير عبر البحر: بتحويل المواصي إلى منطقة مكتظة ومحاصرة، ستكون خيارات السكان محدودة للغاية، ما قد يدفع باتجاه التهجير “الطوعي القسري” عبر البحر، باستخدام السفن والبواخر. وبهذا تكون إسرائيل قد خلقت واقعاً لا يتعارض شكلياً مع الاتفاقيات الدولية، لكنه يؤدي عملياً إلى التهجير الجماعي.
التوقعات المستقبلية في ظل هذه التطورات:
في ضوء الواقع الميداني الراهن، وتحديداً بعد تثبيت محور “نتساريم” وبدء العمل على محور “موراج ” او " محور فيلادلفيا ٢" ، يمكن استشراف عدد من السيناريوهات التي قد تتحقق في المدى القريب والمتوسط:
1.تكريس التقسيم الجغرافي الكامل لقطاع غزة
مع اكتمال إنشاء محور “موراج”، يصبح القطاع مقسماً فعلياً إلى ثلاث مناطق غير متصلة: شمال غزة، وسطها، وجنوبها. هذا التقسيم قد يُستخدم كأرضية لفرض ترتيبات إدارية أو أمنية مختلفة في كل منطقة، في محاولة لإنهاء وحدة القطاع السياسية والجغرافية.
2.فرض منطقة “المواصي” كمنطقة عازلة إنسانية مؤقتة
من المرجح أن تسعى إسرائيل بالتنسيق (أو بالضغط غير المباشر) على أطراف دولية، لجعل منطقة “المواصي” مقراً مؤقتاً للنازحين من من شمال القطاع ومن رفح وجنوب خان يونس، تمهيداً لتحويلها إلى نقطة انطلاق لعمليات تهجير بحرية، خصوصاً في ظل تعذر فتح معبر رفح أو استخدام المحور الحدودي “فيلادلفيا”
3.تدويل ملف التهجير البحري
مع تفاقم الوضع الإنساني في المناطق المحاصرة، قد تتدخل جهات دولية – سواء من الأمم المتحدة أو دول أوروبية وامريكا طبعاً – لطرح خيار “الإجلاء الطوعي” عبر البحر بحجة حماية المدنيين ، ورغم الطابع “الطوعي” المعلن، إلا أن الواقع سيدفع السكان نحو هذه الخيارات كحل أخير للبقاء.
4.خطر فقدان السيطرة المصرية على الحدود
إن انشاء محور ( موراج ) لا يعني تخلي إسرائيل من محور “فيلادلفيا” الحدودي مع مصر ، بل هو تكتيك لتجنّب الالتزامات القانونية وتجنب الرفض المصري لتواجد قوات خارج اطار الاتفاقية على المحور تجنباً للمصادمة مع مصر ، مع الإبقاء على السيطرة عبر المحاور الداخلية ، هذا يُضعف الدور المصري التقليدي كضامن ومراقب للحدود، ويفتح الباب أمام تحولات استراتيجية في العلاقة بين القاهرة وتل أبيب.
5.تصفية القضية الفلسطينية من البوابة الجغرافية
إذا نجحت إسرائيل في تفريغ الجنوب، فإنها تكون قد مهّدت لنهاية “الوجود السياسي والسكاني” المتصل للفلسطينيين في غزة، وربما يصبح ذلك مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية، أو على الأقل، إعادة تعريفها على أساس “تجمعات سكانية بلا أرض موحدة”.
إن محور “موراج” ليس مجرد خط عسكري جديد، بل هو مرحلة متقدمة في مشروع تفكيك القطاع، وتحويله إلى كتل سكانية محاصرة، بلا منافذ أو طرق اتصال داخلية، ومع اكتمال هذا المحور، ستكون إسرائيل قد سيطرت فعلياً على القطاع من جهاته الأربع: شمالاً بمحور “نتساريم”، جنوباً بمحور “موراج”، شرقاً بالحدود مع الاحتلال، وغرباً بالتحكم في الشريط الساحلي.
وبذلك، يبدو أن الهدف النهائي هو فرض واقع جغرافي جديد يُمكّن الاحتلال من تنفيذ تهجير منظم، دون تحمّل تبعات قانونية مباشرة، ومن دون أن يُعتبر خرقاً صريحاً للاتفاقيات الدولية.