العالم يشهد الآن تحولا جذريا في النظام الاقتصادي العالمي حيث لم تعد المعارك تُخاض بالسلاح والنار، بل أصبحت تُخاض بالأرقام والقرارات التجارية والسياسات المالية وما حدث من تصعيد اقتصادي بين الولايات المتحدة والصين لا يعد مجرد خلاف عابر، بل هو بداية لحرب اقتصادية شرسة تهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ والسيطرة على التجارة الدولية الولايات المتحدة قررت استخدام سلاح الرسوم الجمركية بنسبة غير مسبوقة وهو ما أدى إلى حالة من الذعر في الأسواق العالمية تبعتها ردود انتقامية من الصين وبدأت معها سلسلة من التوترات التي أثرت على البورصات والمؤشرات وأثارت مخاوف المستثمرين من أزمة اقتصادية شاملة.
في المقابل بدأت الصين في اتخاذ خطوات استراتيجية لضرب هيمنة الدولار من خلال دعم العملة المحلية وتشجيع التبادل التجاري باليوان وهو ما يعد تهديدا مباشرا للنظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة كما أن الاتحاد الأوروبي لم يقف مكتوف الأيدي بل شرع في اتخاذ تدابير مضادة تمثلت في فرض رسوم جمركية على واردات أمريكية مما يشير إلى بداية تحالفات جديدة في مواجهة السياسة الأمريكية.
الوضع الحالي يكشف عن نهاية مرحلة من الاستقرار الاقتصادي العالمي وبداية نظام جديد لا تحكمه العولمة بمعناها التقليدي بل تحكمه المصالح الضيقة وردود الفعل السريعة والمواقف المتقلبة والرهان الآن لم يعد على من يملك القوة الاقتصادية الأكبر، بل على من يستطيع الصمود والتكيف في ظل الفوضى القادمة لأن الأسواق لم تعد تقبل التوقعات والتحليلات الثابتة، بل أصبحت ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات.
الدول التي تمتلك سياسات مالية مرنة واقتصادات متوازنة وشراكات متنوعة ستكون الأقدر على البقاء أما من يعتمد على اقتصاد أحادي أو على شراكة واحدة فسيدفع ثمنا باهظا، وعلينا أن ندرك أن هذه المرحلة تتطلب وعيا عميقا وقرارات شجاعة لأن ما يجري ليس مجرد أزمة، بل هو مخاض يؤسس لعالم جديد فيه تسقط قوى وتنهض أخرى.