الشرق الأوسط الجديد .. تحالفات متغيرة وصراعات مستمرة
د. بركات النمر العبادي
14-04-2025 11:16 AM
لطالما كان الشرق الأوسط مسرحًا للتغيرات الجيوسياسية الكبرى ، لكن المشهد اليوم يبدو أكثر تعقيدا و سيولة من أي وقت مضى ، فبينما كانت السياسات الإقليمية في العقود الماضية تتسم باستقطابات واضحة ، فإن التحولات الجارية تُعيد رسم خريطة التحالفات والصراعات على نحو غير مسبوق ، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المنطقة واتجاهاتها.
كما يشهد الشرق الاوسط تشكيل تحالفات من الاصطفافات التقليدية الى التحالفات البراغماتية ، و لم تعد المعادلات القديمة تحكم العلاقات بين دول المنطقة ، حيث نشهد انفتاحًا غير مسبوق بين أطراف كانت إلى وقت قريب في حالة عداء مستحكم ، مثل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية ، والتي تجسدت في "اتفاقيات أبراهام"، و التي تمثل نموذجًا لهذه الديناميكيات الجديدة التي تعيد تشكيل مراكز القوى التقليدية ، في المقابل، فإن تقارب السعودية وإيران ، بوساطة صينية ، يعكس رغبة إقليمية في تخفيف حدة الصراعات التي استنزفت المنطقة لعقود ، هذا التحول في خارطة التحالفات لا يعني غياب التوترات ، بل إنه يخلق توازنات هشة قد تنفجر في أي لحظة، فبينما تتجه بعض الدول إلى تبني سياسات براغماتية تعتمد على المصالح الاقتصادية والتعاون الأمني، يظل شبح الصراعات التقليدية حاضرًا، خاصة في ظل تنافس القوى الإقليمية على النفوذ الجيوسياسي.
لم يعد الشرق الأوسط يحتل الصدارة في الاستراتيجية الأمريكية كما كان في العقود الماضية ، فمع تصاعد المنافسة مع الصين وروسيا ، يبدو أن واشنطن تعيد تقييم دورها في المنطقة ، مكتفية بدور الضامن الأمني دون الانخراط المباشر في النزاعات ، في المقابل تسعى كل من موسكو وبكين إلى ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه التراجع الأمريكي ، عبر تعميق العلاقات مع القوى الإقليمية وتعزيز نفوذهما الاقتصادي والعسكري.
وفي خضم هذه التغيرات ، يبقى مصير القضية الفلسطينية بين التهميش وإعادة التفاوض ، كما تبقى القضية الفلسطينية العامل الأكثر تأثرًا بالتطورات الجارية ، حيث تشهد محاولات حثيثة لإعادة صياغة واقعها السياسي والجغرافي ضمن منظومة التحالفات الإقليمية الجديدة، وتُعد غزة واحدة من أكثر الملفات حساسية في القضية الفلسطينية، إذ تعاني من حصار خانق دام لعقود، في ظل محاولات إسرائيلية متكررة لإعادة هندسة وضعها الجغرافي والسياسي ، الحرب الأخيرة على القطاع وما رافقها من تدمير واسع للبنية التحتية ، بالإضافة إلى الحديث عن مشاريع تهدف إلى تهجير سكانها أو فرض واقع أمني جديد ، يثير المخاوف بشأن مستقبلها ، من جهة أخرى، ترفض فصائل المقاومة أي محاولات لفصل غزة عن القضية الفلسطينية الكبرى، وتؤكد على بقائها كجزء لا يتجزأ من أي حل مستقبلي. ومع ذلك، فإن الضغوط الدولية والإقليمية لمحاولة فرض تسوية جديدة عبر مشاريع اقتصادية أو حلول مؤقتة تجعل من سيناريوهات المستقبل أكثر تعقيدًا.
بينما تتجه الأنظار إلى غزة، تشهد الضفة الغربية تصعيدًا استيطانيًا غير مسبوق ، حيث تسعى إسرائيل إلى فرض سياسة الأمر الواقع عبر التوسع في بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي ، مما يجعل حل الدولتين أكثر صعوبة، اما السلطة الفلسطينية التي تجد نفسها أمام تحديات كبرى ، حيث تواجه ضغوطًا دولية لاستئناف المفاوضات في ظل واقع استيطاني متغير، في حين يطالب الشارع الفلسطيني بمواقف أكثر صرامة تجاه الاحتلال ، كما أن تزايد التنسيق الأمني بين بعض الدول العربية وإسرائيل يضعف قدرة الفلسطينيين على المناورة السياسية.
مع توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، يتعزز الشعور بأن القضية الفلسطينية لم تعد تحتل الأولوية في الأجندة الإقليمية كما كانت في السابق، تسعى إسرائيل إلى دمج نفسها اقتصاديًا وأمنيًا في المنطقة دون تقديم تنازلات جوهرية بشأن الحقوق الفلسطينية، بينما تحاول بعض الدول العربية تقديم القضية كملف قابل للتفاوض ضمن ترتيبات إقليمية أوسع.
لكن في المقابل ، لا يزال الفلسطينيون يمتلكون أدوات المقاومة ، سواء عبر الحراك الشعبي أو من خلال محاولات تعزيز الدعم الدولي للقضية ، ومع استمرار إسرائيل في سياساتها الأحادية ، قد نشهد موجات جديدة من التصعيد في الأراضي المحتلة ، مما يعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة رغم محاولات تهميشها .
وبعيدًا عن المعارك السياسية والعسكرية ، أصبح الاقتصاد والطاقة محورًا رئيسيًا في التنافس الإقليمي ، فمشاريع مثل "نيوم" السعودية ، والممر التجاري الهندي - الشرق أوسطي - الأوروبي، واستثمارات الصين في البنية التحتية تعكس تحولات اقتصادية عميقة تهدف إلى إعادة تموضع المنطقة كمركز تجاري عالمي، وفي المقابل يظل الصراع على مصادر الطاقة ، وخاصة الغاز في شرق المتوسط ، مصدر توتر مستمر بين الدول المعنية ، في ظل تداخل المصالح الإقليمية والدولية ، وفي ظل هذه التحولات العميقة ، يبدو أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة عنوانها إعادة التشكل المستمرة ، فبينما توفر بعض التحالفات الجديدة فرصًا لتعزيز الاستقرار والتنمية ، يظل خطر الانفجارات السياسية والعسكرية قائمًا ، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة لحل النزاعات المستعصية.
أما القضية الفلسطينية ، فرغم محاولات تهميشها ، تظل عنصرًا رئيسيًا في معادلة الشرق الأوسط الجديد، حيث يعتمد مستقبلها على قدرة الفلسطينيين على فرض أنفسهم كفاعل سياسي ، وعلى مدى استجابة المجتمع الدولي لضغوط الاحتلال المستمرة.
ويبقى السؤال المطروح/ هل نحن أمام شرق أوسط أكثر استقرارًا أم أن هذه التغيرات مجرد مرحلة انتقالية نحو مزيد من الفوضى؟، الإجابة ستتحدد في السنوات القليلة القادمة ، حيث ستختبر الأحداث قدرة القوى الإقليمية والدولية على تحقيق توازن جديد ، أو الانزلاق نحو مزيد من التوترات والصراعات، و على ذلك لم يعد هناك مكانا للضعيف فكل حدى يحاول ان يرتدي الدرع الذي يقيه من الضربات المتزاحمة، و التي حتما ستنال من الضعيف.
هذا اجتهادنا والله يقدر و يقدم مايشاء ، حما الله الاردن وجنبه كل مكروه ، وسدد على طريق الحق قيادته وليحفظ الله جلالة الملك وولي عهده الامين و الشعب الاردني العظيم.