الأردن وأوان الإستدارة الكبيرة
هزاع البراري
15-04-2025 12:56 PM
منذ فجر الدولة الأردنية الحديثة والأردن الرسمي والشعبي منغمس بالحالة الإقليمية والعربية، حتى أن هذا ترجم في فكر ونهج الأردن عندما كان الأسم الأول إمارة الشرق العربي، وليس إنتهاءً بتسمية القوات المسلحة الأردنية بالجيش العربي، كل هذا جاء في سياق عربي عام جامع، في مواجهة الاستعمار الغربي وبالأخص البريطاني – الفرنسي التي أتت أكلها بُعيد الحرب العالمية الثانية بإستقلال معظم الدول العربية، لكن تحولات كبرى عصفت بالمنطقة بعد ذلك، فكانت الإنقلابات العسكرية عنوانا لدول محورية مثل مصر وسوريا والعراق، نتج عنها إفتراقات أيدولوجية ومصلحية وأحيانا نزاعات حدودية أو تخوينية هدفها نقل المعركة من الداخل إلى الخارج، وتثبيت دعائم الإنقلاب العسكري الجديد، ومن هنا تحولت البوصلة من مواجهة مع الاستمعار بأشكاله الجديدة، إلى تطاحن سياسي وتناحر عربي – عربي، غذته أحداث كثيرة مثل الثورة الإيرانية وحرب الخليج الأولى واجتياح بيروت والحرب الأهلية، طبعا وإسرائيل على رأس القائمة.
لم يخرج الإقليم من هذه الحالة، فقد كشف " الربيع العربي " هشاشة الحالة العربية داخليا وإقليميا، وبقي الأردن حصنا حصينا، كان دائما في عين العاصفة وفي بؤرة الأحداث الجسام، ولم يكن إلا شريك في إعادة التوازن، ورأب الصدع، وتحمل الخسائر التي لم يكن شريكا فيها، ومن الكاظمين الغيظ من جور جار وإنقلاب صديق وتخوين قريب، ترفع فرفعه لله بصدق قيادته وحكمتها وصمود شعبه وإثاره ووعيه، وكان رهان الأردن دوما على المستقبل، وأن الخير لا بد يثمر، لكنه تأكد له اليوم أن الخير لا يثمر إلا في أهله، وكثير ممن نالهم خير الأردن ليس أهلا له، ولم يصدقوه الوعد ولم يحفظوا له العهد، وما يحدث في الساحة الداخلية وما نسمعه ونراقبه في المحيط يصب جله في التحريض على الأردن وأمنه ومؤسساته وعلى رأسها الجيش العربي الأردني والأجهزة الأمنية، وهو تحريض تجاوز حد الخطاب وبث الإشاعات وإذكاء نار الفتن ما ظهر منها وما بطن، بل وصل حد التجييش، ومحاولة الإختراق العسكري والأمني عبر الحدود، شاملا بناء خلايا متربصة، وتهريب أسلحة وتخزينها، ووضع خطط سوداء لتحويل الأردن إلى ساحة مفتوحة على الفوضى والخراب وهو حلم عصي على الجرذان التي نعيها ونعرفها تمام المعرفة.
إن الإستقواء على الوطن بالخارج الطامع، والتحالف مع قوى ظلامية وأخرى عدائية للأمة بأسرها، وتلقي أوامر من ميليشات وضعت نفسها أداة خراب لقوى إقليمية متربصة، وإعلان الولاء لكل ما هو خارجي حاقد وعدم الولاء للوطن ومصالحه وأمنه، والبيعة لقوى غير وطنية، وجماعات محظورة، وعدم البيعة للوطن الذي حضن وربى وأمن من خوف أطعم من جوع، ورفع رايات غير رايتنا، وردد أهازيج ليست أهازيجنا بل تحرض علينا وعلى مؤسساتنا، واللائحة تطول وتطول، وللأسف هذه الألسن والأيدي تصول وتجول وتنعق بالخراب والدمار، وكيدهم في نحرهم دائما وأبدا، وهم للأسف لا يتقنون قراءة المرحلة، ولا يحسنون حفظ الود ورد الجميل، ولا يسلم الوطن العالي من لسانهم وفعلهم وهم في نعيمه.
اليوم الأردن يستدير، وعليه فعل ذلك، فالمرحلة حاسمة والظرف دقيق، والأجندة الوطنية تتطلب رص الصفوف، وتوحيد الصوت باتجاه مصالح الأردن ومصادر أمنه وسلامته، الأردن السليم الموحد خلف راية الوطن وقيادته، الأردن المعافى من أسباب التسوس والمتخلص من أصحاب السوء، والمتطهر من أحملة الأجندات العابرة للحدود، هو الأردن القادر على مواصلة دوره في خدمة القضايا العربية والحق العربي، اليوم الأردن يحتاج نفسه أكثر من أي وقت سبق، ونحن نحتاج الأردن الذي بذل الآباء والأجداد من أجله المهج والأرواح، ما أحوجنا اليوم إلى الإلتفاف حول الوطن، أن نعي حجم المؤامرة وخطورة المندسين، وننقي ماءنا وخبزنا، ونعيد البوصلة لتكون بوصلة واحدة موحدة اتجاه الوطن ومصالحه وأمنه وسلامته، وطن كلنا شركاء في حفظه وتأمين مستقبله، حفظ الله الأردن غاليا عاليا دوما.