الدولة .. خيار الضرورة لا الترف
د. ماجد الصمادي
19-04-2025 11:13 AM
لماذا لا بديل عن الدولة في مواجهة الفوضى، ولماذا يجب أن تحتكر وحدها أدوات القوة؟
في عالم يزداد اضطراباً وتغذيه الصراعات الطائفية والعرقية والمذهبية، لا يبدو خيار الدولة ترفاً فكرياً أو شكلاً سياسياً فقط، بل ضرورة وجودية. فحين نتحدث عن المفاضلة بين دولة قائمة، بكل عيوبها ونقائصها ، واللادولة، او الدولة الفاشلة والفوضى، فليس من الحكمة سوى الانحياز للدولة، باعتبارها الإطار الوحيد الممكن لبناء مجتمع حديث تسوده العدالة ويحكمه القانون.
تجارب عدة من الواقع المعاصر تبرهن على صحة ان الدولة هي التطور الطبيعي للمجتمعات الانسانية . فحين تتخلى الدولة عن احتكار القوة و السلاح تحديداً، أو تتقاسم سلطتها مع جماعات مسلحة، تنشأ دولة فاشلة، ينهار فيها القانون، وتختفي العدالة، ويُختطف القرار الوطني من قبل جماعات ذات أجندات ، لا تعبأ بالمصلحة الوطنية كأولوية أولى وتضعها فوق كل الاولويات.
في دولة شقيقة كانت مؤهلة ان تكون سويسرا الشرق، ورغم وجود جيش رسمي، تحكم فصيل سياسي مسلّح بقرار الحرب والسلم، وجر البلاد إلى صراعات إقليمية لا تخدم عموم الشعب، بل كرّس الانقسام الطائفي داخلياً ودمر مقدرات الدولة وغذّى العنف الداخلي والإقليمي على الأقل في ثلاث دول أخرى.
وفي دولة شقيقة أخرى حيث بدأت الحضارة قبل 5000 سنة قبل الميلاد ، وتطورت الكتابة لأول مرة هناك، تعددت الميليشيات الطائفية وأضعفت سلطة الدولة، وحوّل السلاح إلى أداة نفوذ سياسي داخلي، يستخدم لقمع الخصوم و فرض الإرادة على الشارع.
اما في بلاد الحضارة العربية السعيدة، فقد أدى استيلاء جماعة مسلحة على السلاح ومؤسسات الدولة إلى إشعال حرب أهلية طاحنة، مزقت النسيج الاجتماعي وأدخلت البلاد في دوامة من الانهيار السياسي والإنساني.
لا يمكن للعدالة أن تُبنى تحت سطوة السلاح غير الشرعي. فحين تكون القوة بيد جماعة لا تخضع لمؤسسات الدولة، تتحول هذه القوة إلى وسيلة للقهر، وتضيع معها حقوق المواطنين. ويصبح الأمن انتقائياً، والمساءلة غائبة، والقرار الوطني مُختطفاً.
الدولة، كي تؤدي دورها في تحقيق العدالة وضمان الاستقرار، يجب أن تحتكر القرار العسكري والأمني. فلا يجوز أن تُخاض الحروب باسم الدولة دون مؤسسات شرعية توازن المصالح، وتعرف متى تقدم ومتى تحجم، وتخضع للمحاسبة والمسؤولية. الدولة ككيان قوي يحتكر السلطة ليمنع الفوضى، ليست دعوة للاستبداد، بل لوضع حد للفوضى والاقتتال. الدولة القوية ليست تلك التي تقمع، بل التي تحتكر السلاح لصالح القانون، وتحصر أدوات القوة في يد مؤسسات شرعية، وتبني العدالة عبر قوة مركزية مسؤولة.
هذا الانحياز للدولة لا يعني تبرير تعثر بعض مؤسساتها او فساد بعض افرادها، بل هو دعوة لتقويتها عبر دعم جيشها الوطني ، مادياً ومعنوياً، وتمكينه في الدفاع عن حدود الدولة، والمحافظة على سيادة وسلطة الدولة وحماية الدستور، وبناء مؤسسات مدنية تراقب وتحاسب، لا عبر افشالها وتفكيكها و تدميرها وترك الساحة لعصبيات ما قبل الدولة. فالمطلوب ليس العودة إلى الوراء، بل الدفع نحو الأمام بتعزيز الطابع المؤسساتي وتكريس دولة المواطنة فلا عدالة ممكنة تحت فوهة البندقية، ولا سيادة حقيقية بوجود سلاح خارج يد الدولة اياً كانت مبررات امتلاكه ومهما كانت نوايا استخدامه.