الدستور الحي أم الإدارة الصامتة؟ أزمة إنتاج القانون في الأردن
المحامي اسامة البيطار
20-04-2025 12:56 AM
في هذه السطور، لا أعرض رأيًا عابرًا، بل أشارك خلاصة نقاشات قانونية ومهنية دارت خلال الأسابيع الماضية، في أروقة الحوار القانوني، وداخل مجموعات الزملاء المحامين، ووسط موجة من المداولات حول مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي.
ما أكتبه هنا ليس موقفًا نهائيًا، بل قراءة تحليلية مفتوحة، تنبع من موقع المحامي الذي يتقاطع عنده النص مع الواقع، والمبدأ مع الضرورة، والمهنة مع الوطن.
في خضم الجدل الذي أثير حول مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي، بدت الساحة المهنية والقانونية في الأردن وكأنها تُستفز لا فقط بمضمون النصوص، بل بمنهجية صياغتها وفرضها. ما طُرح من أرقام، وما أُعلن من نسب، لم يكن بحد ذاته بيت القصيد. بل السؤال الأخطر الذي راح يتصاعد بهدوء: من يُنتج القانون؟ ولمن؟ وعلى أي أساس؟
في الأنظمة التي تحترم ذاتها، لا يُقاس التشريع بعدد مواده أو سرعة إقراره، بل يُقاس بمساره. القانون الذي لا يمر من بوابة المجتمع، ولا يعبر من بين أسئلة الخبراء والمهنيين، يفقد شرعيته الأخلاقية حتى لو مرّ عبر القنوات الدستورية.
العدالة التشريعية لا تبدأ من النص، بل من الفلسفة التي أفرزته. هل جاءت هذه القوانين تعبيرًا عن توازن بين حاجة الدولة للموارد، وحق المواطن في الحماية؟ أم أنها أُنتجت بعقل إداري منفصل عن الديناميات الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية؟
لقد أظهرت النقاشات الأخيرة أن المجتمع القانوني الأردني لم يعد مستعدًا لاستقبال القوانين كمراسيم، بل بات يطلب المسار بقدر ما يُراجع النص. وأثبتت التجربة أن نقد القانون لم يكن تحريضًا، بل مطالبة بإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن على قاعدة الثقة، لا المفاجأة.
المادة (91) من الدستور الأردني تمنح السلطة التنفيذية صلاحية إعداد مشاريع القوانين، لكنها لا تعني أن المجتمع عليه أن يصمت حتى لحظة الإحالة. بين لحظة الصياغة ولحظة التقديم مساحة واسعة من الحوار، وواجب النقابات والهيئات المهنية أن تملأها.
أما الواقعية الإدارية التي تقول إن “القانون سيمر”، فهي واقعية قصيرة النفس. لأن القانون الذي لا يُبنى على مشروعية الحوار معرض دائمًا أن يُنتج مشكلات أكبر من تلك التي أراد حلها.
اليوم، وبعد أن تأجل عرض القانون، لا بد أن نلتقط هذه اللحظة كمحامين ومشرّعين ومواطنين. لا لإعلان الانتصار، بل لتحويل هذا التوقف إلى فرصة مراجعة عميقة تُعيد الاعتبار لمفهوم العدالة التشريعية، وتؤسس لمنهج تشاركي أكثر عقلًا وأقرب إلى الدستور الحي، لا الدستور الشكلي.
إن السؤال الحقيقي لم يكن عن نسبة 1% أو 3%. بل عن المنهج، والغاية، والعدالة.
وهذا هو القانون كما نريده: نصٌ له روح، ومسارٌ له احترام