الخلية الإرهابية .. تحدٍّ أمني أم انحراف عن مسار العمل الإسلامي؟
د. بركات النمر العبادي
23-04-2025 10:32 AM
في الوقت الذي تواصل فيه المملكة الأردنية الهاشمية مساعيها لحماية أمنها الوطني ، كشفت الأجهزة الأمنية عن خلية إرهابية نشطة في نيسان 2025، كانت تُخطط لتنفيذ عمليات تهدد الامن والسلم الداخلي ، و بعيدًا عن الحدث الأمني المجرد ، فإن هذه الحادثة تطرح تساؤلات جوهرية حول الفرق بين العمل الإسلامي المشروع والانحراف نحو العنف والتطرف.
ومنذ نشأته، كان العمل الإسلامي يقوم على مبادئ واضحة: الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والعمل مسؤولية المدني السلمي، والتغيير من خلال بناء الوعي والمؤسسات ، وقد قدمت تيارات كثيرة نماذج معتدلة في الانخراط بالعمل السياسي والخيري ضمن إطار الدولة والقانون، وما حدث مع هذه الخلية الإرهابية ، التي تبنّت فكرًا متطرفًا، يُظهر بوضوح كيف يُختطف هذا المفهوم النبيل ويُشوه لصالح أجندات عنف لا تمت بصلة للإسلام ولا لأخلاقياته.
ومن المعلوم ان ما يميز الفكر المتطرف هو : احتكاره "للحق المطلق" و تكفير المخالفين واستباحة دمائهم ، والعزلة الفكرية عن المجتمع والمؤسسات ، وهنا يكمن الخطر، إذ تبدأ بعض المجموعات بشعارات دينية جذابة ، ثم ما تلبث أن تنزلق نحو نهج "العمل السري المسلح"، مُبررة ذلك بأن الطريق السلمي لا يُجدي ،وهذا بالضبط ما يُخرجها من إطار العمل الإسلامي إلى مستنقع الإرهاب.
ويحق لنا ان نتسأل عن امن الدولة وامن الوطن مسؤولية من؟ ، هل هي فقط مسؤلية الاجهزة الامنية و القوات المسلحة ، ام هي ايضا مسؤلية النُخب والمؤسسات الدينية ، اذ لا يمكن فصل هذه الأحداث عن دور العلماء والدعاة والنخب الثقافية و مهمة التصدي للتطرف لا يمكن ان تقتصر على الأمن وحده، بل يجب أن تشمل:
• تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الجهاد والعمل الإسلامي.
• تعزيز ثقافة الحوار والاعتدال.
• دعم برامج إصلاح الفكر الديني للشباب.
ونحن ايضاً ننحاز الى ان أمن الدولة من أمن الفكرة ، والخلية التي تم ضبطها، وإن كانت أمنية في ظاهرها، إلا أن جذورها فكرية ، والانتصار الحقيقي لا يكون فقط بإيقافها ، بل بمنع ولادة خلايا جديدة من رحم فكر منحرف يستغل الدين لأغراض سياسية أو عنفية.
العملية الارهابية اسفرت عن تداعيات مفصلية لا تبشر بخير و على رأسها : 1- التداعيات الأمنية ، فقد رفعت مستوى الاجراءات الامنية الى حالة استنفار قصوى ، والرقابة على الحدود والمنافذ زادت بشكل غير مسبوق ، مع تشديد على المراقبة الإلكترونية والاتصالات ، تحصين البنية التحتية في اماكن حساسة مثل المطارات، المراكز الحكومية وحتى محطات الطاقة، تخضع الآن لإجراءات أمنية مشددة ، وقد ارسلت الاجهزة الامنية رسالة ردع قوية وواضحة لأي جهة تفكر بإثارة الفوضى في الاردن . 2-التداعيات السياسية ،إعادة تقييم علاقة الدولة بالجماعات الإسلامية بسبب ما كشفته التحقيقات عن ارتباط بعض المتهمين بجماعة الإخوان المسلمين، وبهذاعاد الجدل بقوة حول شرعية مشاركة هذه الجماعات بالحياة السياسية، و هناك مطالبات بحظر الأحزاب في البرلمان والإعلام ، و مطالبات بحظر حزب جبهة العمل الإسلامي أو على الأقل إعادة النظر بقوانينه ونشاطاته، مما استوجب توازن دقيق للحكومة بهذه القضية ،بين الحفاظ على الأمن، ومنع الاستقطاب الداخلي أو إثارة غضب قواعد شعبية3 -التداعيات الاجتماعية ، هناك حالة من القلق الشعبي و صار المواطنون في الاردن يتساءلون : إذا ما كان هناك خلية بهذا الحجم داخل البلد ، و كم خلية غيرهذه الخلية ممكن تكون نشطه وتعمل بصمت؟ ،وهناك ازدياد في الدعوات للوحدة الوطنية ، بالمقابل، ظهر خطاب داعي للتكاتف خلف الدولة والجيش والأجهزة الأمنية، لأن المرحلة حساسة ومصيرية. 4-التداعيات الإقليمية ،دعم عربي واسع و خاصه من السعودية ، الإمارات، ومصر ولبنان وغيرها ، أعلنوا تضامنهم الكامل مع الأردن ، وهذا يفتح باب لتنسيق امني بشكل أكبر ضد الإرهاب في المنطقة ، مما يشكل ضغوط على الدول الممولة التي دعمت عناصر الخلية.
وما بين نفي جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عن أي علاقة لها بالخلية التي أعلنت السلطات عن ضبطها ، مؤكدةً أن الجماعة ترفض أي شكل من أشكال العنف أو استهداف أمن الوطن وجاء في البيان "نؤكد أننا في جماعة الإخوان المسلمين لا علاقة لنا من قريب أو بعيد بما جرى الإعلان عنه من مؤامرة على أمن واستقرار الوطن ، ونرفض الزج بإسمنا في هذه القضية "، كما توكد بدورها، جبهة العمل الإسلامي، وهي الذراع السياسي للجماعة، في بيان لها أكدت فيه رفضها التام لأي مساس بأمن الوطن، مشددة على أن نهج الحزب هو الإصلاح السلمي والعمل تحت مظلة القانون.
وفي المقابل، نشرت وسائل الإعلام الرسمية اعترافات مصورة لأفراد الخلية، ذكروا فيها انتماءهم لجماعة الإخوان، وهو ما زاد من الضغط على الجماعة ودفع الحكومة إلى التلويح باتخاذ إجراءات قانونية قد تصل إلى حظر الجماعة، الامر الذي يؤشر الى الكشف عن هذه الخلية ما كان مجرد عملية أمنية عابرة، بل نقطة تحول قد تؤثر على مسار السياسات الداخلية والتحالفات الإقليمية وحتى شكل الحياة السياسية في الأردن مستقبلا.
حمى الله الاردن و سددعلى طريق الحق خطاه .
* المصادر العلمية:
• سيد قطب، معالم في الطريق، دار الشروق، 2006.
• John Calvert, Sayyid Qutb and the Origins of Radical Islamism, Columbia University Press, 2010.
• Gilles Kepel, Jihad: The Trail of Political Islam, Harvard University Press, 2002.
• Olivier Roy, Globalized Islam, Columbia University Press, 2004.
• Barry Rubin, The Muslim Brotherhood, Palgrave Macmillan, 2010.
• مركز كارنيغي للشرق الأوسط – تقارير الحركات الإسلامية.
• UK Home Office Report, Muslim Brotherhood Review, 2015.
• معهد واشنطن – تقرير 2018 حول تمويل الإرهاب والإخوا
• . . Shaf Center
• : الشرق الأوسط
• AawsatAl Arabiya