facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العفو ليس عدالة والتعديل ليس كافيًا .. قانون العقوبات ٢٠٢٥


المحامي اسامة البيطار
24-04-2025 07:51 AM

مشروع تعديل قانون العقوبات الأردني لسنة 2025 يطرح نفسه كمبادرة إصلاحية تهدف إلى تخفيف الاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل، وتعزيز فلسفة العدالة التصالحية. وفي الوقت ذاته، يتزامن هذا المشروع مع مطالبات متكررة بقانون عفو عام جديد. في هذا التوقيت، يصبح من المشروع أن نطرح سؤالاً جوهرياً: هل العفو هو أداة إصلاح أم تعبير عن عجز مؤسساتي عن إدارة العدالة بشكل متوازن؟

لا شك أن العفو العام، كأداة دستورية، يحمل طابعًا رمزيًا وسياسيًا عميقًا، ويُستخدم في لحظات وطنية محددة. لكنه حين يتحول إلى خيار متكرر، يبدأ بفقدان قيمته الاستثنائية، ويتحول من "لحظة تسامح" إلى "إعادة تدوير" للخلل داخل المنظومة الجزائية.

كثير من الأصوات تطالب بالعفو باسم العدالة، لكن العفو ليس دائمًا عدلاً. فهل يكون عادلاً أن يُعفى من العقوبة من يكرر المخالفة أو يستغل الثغرات؟ وهل يكون العفو منصفًا إذا شعر المتضرر أن الدولة تصالح من أضرّه دون أن تأخذ رأيه أو حقه بالاعتبار؟

في المقابل، فإن التعديلات المقترحة على قانون العقوبات تقدم أدوات أكثر استدامة: بدائل الحبس، السوار الإلكتروني، العلاج من الإدمان، تقسيط الغرامات، وقف التنفيذ بشروط، وربط بعض الاستثناءات بإسقاط الحق الشخصي. هذه الأدوات لا تصنع "تسامحًا مطلقًا"، بل توازنًا عمليًا يُخضع المحكوم للمراقبة والدمج دون أن يُجرّده من كرامته.

لكن حتى هذا التعديل، لا يجب أن يُفهم باعتباره "عفوًا مقنعًا" أو وسيلة لامتصاص الغضب المجتمعي. هو ليس بديلًا عن النقاش السياسي الواسع حول من نُعاقب؟ ولماذا؟ وكيف نُعيد تأهيل الجاني والمجتمع معًا؟

وقد يقول البعض إن مشروع التعديل أُعدّ في وقت سابق، وربما قبل الأحداث الأمنية الأخيرة التي كشفت عن خلية مسلحة تُصنّع صواريخ محلية. وهذا احتمال وارد إجرائيًا، لكنه لا يلغي أن السياسة تُقاس بتوقيت الإعلان لا بتاريخ الإعداد، وأن اختيار لحظة طرح المشروع يحمل في ذاته رسالة مضمَرة.

في لحظة تُظهر فيها الدولة قبضتها الأمنية في وجه من يُهدد أمنها، تُطلق بالتوازي مشروعًا يقدّم بدائل ومرونة مع المواطن الذي تعثر في مسار اجتماعي أو قانوني. هذه ليست مفارقة، بل محاولة لإعادة تنظيم سلّم العقوبات على قاعدة: لا تهاون مع من يمس الدولة، ولا قسوة على من يمكن إصلاحه.

ومن الإنصاف الإشارة إلى أن وزير العدل، الدكتور بسام التلهوني، قدّم هذا المشروع بتوجه قانوني متقدم، يسعى لتوازن عقلاني بين الردع والبدائل، ويُعيد صياغة فلسفة العقوبة على أسس دمجية وإنسانية. وهو طرح يستحق أن يُستكمل بنقاش مؤسسي رصين، يضمن أن تبقى العدالة عادلة، دون أن تكون مرتجلة أو مجتزأة.

العدالة ليست في التساهل، ولا في القسوة. بل في التوازن بين منطق القانون وروح المجتمع. وإذا كان لا بد من الاختيار، فالأجدى أن نختار بناء منظومة جزائية مرنة، قابلة للتطبيق، تستوعب الواقع دون أن تستسلم له.

وفي النهاية، ربما لا نحتاج عفوًا جديدًا… بقدر ما نحتاج إلى فكر قانوني جديد لا يُبرر الماضي ولا يُحاكي المزاج العام، بل يُعيد تعريف "الرحمة" كجزء من العدالة، لا بديلًا عنها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :