facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأردن واللاجئون: ضمير جغرافي لا ينام


إيمان حداد
24-04-2025 05:46 PM

في إقليم تمزقه الأزمات، ويثقل كاهله التهجير والنزوح، يبرز الأردن كنموذج فريد لا يُقاس بحجمه الجغرافي أو بثرواته المحدودة، بل بموقفه الأخلاقي الثابت في احتضان الإنسان حين تتخلى عنه خرائط العالم. فما فعله الأردن مع اللاجئين لم يكن مجرد استجابة إنسانية مؤقتة، بل مسارًا أخلاقيًا طويلًا يعبّر عن فلسفة دولة اختارت أن تظلّ إنسانية، رغم التحديات.

من النكبة الفلسطينية إلى الحرب السورية، مرورًا بالحروب في العراق، فتح الأردن حدوده لا من منطلق حسابات سياسية أو اقتصادية، بل إيمانًا بأن حماية الإنسان قيمة لا تقبل المساومة. وعلى الرغم من الأعباء الديموغرافية والضغوط الاقتصادية، استمر الأردن في استقبال اللاجئين، حريصًا على صون كرامتهم في مجالات التعليم، والصحة، والعمل.

تميّز الموقف الأردني برؤية متزنة تجمع بين الاعتبارات السيادية والالتزامات الأخلاقية. فالدولة لم تنضم إلى اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، لكنها التزمت بجوهرها، ووقّعت مذكرة تفاهم مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ما سمح لها بالتعامل مع الملف بمرونة تحفظ السيادة من جهة، وتضمن الحماية من جهة أخرى، فيما بات يُعرف بـ"البراغماتية الإنسانية".

وفي كلمته خلال المداولات العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، يذكّر جلالة الملك عبد الله الثاني بأن "اللاجئين يشكلون أكثر من ثلث سكان الأردن، والمسؤولية في التعامل معهم تقع على عاتق الجميع"، مشددًا على أن العالم "لا يملك ترف التهرب من مسؤوليته ليترك جيلا ضائعًا.

هذه الرسائل الملكية تعبّر عن رؤية وطنية تعتبر اللجوء مسؤولية جماعية لا يجوز أن تتحملها دولة واحدة وحدها، وترى في حماية اللاجئ واجبًا أخلاقيًا لا يسقط بالتقادم.

على مستوى الخدمات، لم يكن الأردن مجهزًا لاستقبال ملايين اللاجئين، ومع ذلك توسّعت المدارس، وفعّلت نظام الفترتين، وفتحت الجامعات أبوابها بمنح مدعومة. أما في سوق العمل، فقد أطلق الأردن مبادرة غير مسبوقة عام 2016، بإصدار تصاريح عمل للاجئين السوريين ضمن اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، إيمانًا بأن التمكين هو الطريق إلى الاستقرار.
وفي المجال الصحي، بقيت المستشفيات والمراكز الطبية متاحة للاجئين برسوم مدعومة، وافتُتحت العيادات في المخيمات والمناطق الأكثر تضررًا، رغم تراجع الدعم الدولي.

لكن الأردن لا يكتفي بالاستجابة، بل يدعو إلى رؤية دولية متكاملة لا تختزل القضية في الإغاثة، بل تسعى إلى حلول عادلة تضمن حق العودة، وتحفظ كرامة اللاجئ دون أن تُثقل كاهل الدول المستضيفة. وفي هذا السياق، يطرح جلالة الملك عبد الله الثاني تساؤلًا أخلاقيًا في خطابه أمام الجمعية العامة: "إذا لم نكن أممًا متحدة بالقناعة والإيمان بأن جميع البشر متساوون في الحقوق والكرامة والقيمة، وأن جميع الدول متساوية أمام القانون، فما هو العالم الذي نختاره لأنفسنا؟.هذا النداء لا يكتفي بوصف التحديات، بل يحثّ المجتمع الدولي على التزام طويل الأمد يستند إلى العدالة، ويرفض أن يكون اللجوء قدرًا دائمًا أو ذريعة لتجاهل الحقوق.

الرؤية التي يحتاجها الأردن والمنطقة لم تعد محصورة بالإطار الوطني، بل تتطلب شراكة دولية عادلة تقوم على تخطيط استراتيجي طويل الأمد، وتوزيع منصف للموارد، وتمكين اللاجئين، مع ضمان ألا تتحمّل المجتمعات المستضيفة وحدها تبعات أزمات لم تكن سببًا فيها. إنها رؤية تبدأ من إطار قانوني واضح، وبرامج إنعاش اقتصادي تُعيد الأمل، وشراكات تستند إلى الالتزام المستدام لا إلى الدعم الموسمي، وتصرّ على رفض أي حلول تتجاوز حق اللاجئ في العودة.

ما يفعله الأردن اليوم ليس مجرد سياسة، بل موقف وجودي يعكس هوية دولة اختارت أن تكون في صف الإنسان. وفي زمن بات فيه الحضور الأخلاقي للمجتمع الدولي موضع تساؤل، يقدّم الأردن نموذجًا مختلفًا، يُثبت أن الضمير الإنساني يمكن أن يبقى حيًا، حتى عندما تخفت أصوات العدالة من حوله.

هذا هو الأردن، الذي لم يسمح للواقع الصعب أن ينتزع منه إنسانيته، بل جعله أكثر رسوخًا فيها، رافعًا راية الكرامة في وجه التحديات، ومثبتًا أن الجغرافيا قد تكون ضئيلة، لكن الضمير إذا استيقظ، صار حدودًا لوطنٍ أكبر من الخرائط.


إيمان حداد - مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :