منذ السابع من أكتوبر عام 2023، عندما شنت حماس هجوماً مباغتاً وغير مسبوق على جنوب إسرائيل فيما أطلقت عليه "طوفان الأقصى"، دخل قطاع غزة في واحدة من أقسى فصول تاريخه الحديث , فالحرب المستعرة حولت الشوارع إلى ركام، والأحياء إلى مقابر مفتوحة، فيما كانت الأصوات تتعالى منذ الأيام الأولى مطالبةً بحل عاجل يحمي المدنيين ويوقف نزيف الدماء .
نداءات كثيرة انطلقت تحذر من أن استمرار احتجاز الرهائن سيؤدي إلى كارثة إنسانية، مطالبةً بوضع مصلحة الشعب فوق أي حسابات سياسية أو عسكرية , إلا أن حماس، كما أظهرت الوقائع، مضت في خيار التصعيد، معتمدةً على توازنات ميدانية لم تكن في صالحها، ما أدى إلى تفاقم المأساة .اليوم، وبعد أكثر من 16 شهراً من الدمار والدماء، تكشف مصادر مطلعة لشبكة "العربية" أن حماس وافقت، من حيث المبدأ، على اتفاق يتضمن الآتي :
إطلاق جميع الرهائن مقابل وقف إطلاق نار طويل الأمد
سحب مقاتليها من قطاع غزة دون ملاحقة قانونية
التخلي عن إدارة القطاع تمهيداً لإعادة ترتيبه وإعماره
هذه الموافقة المتأخرة تطرح سؤالاً مؤلماً: لماذا لم يحدث ذلك منذ البداية؟
لماذا لم يتم تجنب هذا الدمار وهذه الخسائر البشرية الفادحة التي دفعتها غزة ؟
تشير التقديرات إلى أن أكثر من خمسين ألف شهيد، وأكثر من 150 ألف جريح، سقطوا خلال الحرب مدن بأكملها محيت عن الخريطة، وبنية تحتية دمرت في مشهد يعيد إلى الأذهان نكبات سابقة في تاريخ الشعب الفلسطيني
القراءة السياسية لما حدث تضع المسؤولية المباشرة على القيادة التي أدارت الصراع , فبينما كانت بعض الأطراف تنادي منذ اللحظة الأولى بضرورة اتخاذ تنازلات تكتيكية لإنقاذ المدنيين، أصرت حماس على المضي في المواجهة، رافضة كل المبادرات التي كان يمكن أن تحقن الدماء وتحمي ما تبقى من غزة ,ببساطة، وأخيراً بدأت حماس تبصر النور... ولكن بعد أن دفعت غزة الثمن كاملاً.
ما حدث خلال هذه الحرب يؤكد مجدداً أن الشعوب ليست وقوداً لمعركة سياسية طويلة الأمد , فالشعوب بحاجة إلى قادة يتحملون مسؤولية قراراتهم بشجاعة، ويضعون مصلحة الإنسان فوق كل شعار أو تكتيك . قد يكون الاتفاق المرتقب بداية جديدة لإعادة إعمار القطاع المنكوب، ولكن الندوب التي خلفتها هذه الحرب ستبقى شاهدة على ثمن التأخر في اتخاذ القرار الصحيح , فحين تتأخر الحكمة، تدفع الشعوب أثماناً باهظة من دمائها ومستقبل أبنائها ,إن دروس غزة اليوم يجب أن تكون واضحة لكل من يريد أن يتعلم .
السياسة فن إدارة الأزمات، لا تفجيرها
القيادة مسؤولية عن حماية الإنسان، لا مقامرة بمصيره
والمقاومة الحقيقية تكمن في بناء الحياة، لا في تدميرها
ولكن، يبقى السؤال الأعمق والأكثر إلحاحاً :لماذا لا تتم محاسبة المسؤولين عن هجوم السابع من أكتوبر؟
وهل الانتماء للمقاومة يعفي القيادات من مسؤولية القرارات الكارثية التي جرّت شعوبها إلى ويلات الدمار والمآسي؟
إذا كانت المقاومة شرفاً، فإن تحمل المسؤولية جزء لا يتجزأ من هذا الشرف ,وإذا كان الخطأ البشري أمراً وارداً، فإن الإصرار عليه والتكابر في مراجعته جريمة لا تغتفر بحق الشعوب التي دفعت الثمن من دمها ومستقبلها
waelsamain@gmail.com