facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




يقظة الضمير وبناء الدولة


م. عامر البشير
27-04-2025 03:17 PM

في لقاء جمعني يومًا بأستاذي في العمل البرلماني الدكتور مصطفى الحمارنة، زميلي في المجلس النيابي السابع عشر، استعدنا شيئًا من ذكريات تلك التجربة الغنية، كان الدكتور مصطفى — مؤسس كتلة المبادرة النيابية — بحقّ كانت المبادرة، علامة فارقة في تكريس العمل البرامجي تحت قبّة البرلمان، في هذا اللقاء، استوقفني حين روى لي قصة يعرفها عن والدي، الدكتور محمد البشير، تعود إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي، حين كانت جذوة بناء الدولة لا تزال متقدة في الصدور، قالها ببساطة، لكنها أيقظت في داخلي مشاهد من زمنٍ كانت فيه المؤسسات اختبارات أخلاقية لا هياكل إدارية، وكانت المناصب عهدًا وليست وجاهةً، في تلك الساعات النادرة من عمر الأرض، قبيل الفجر، حين لا يسهر إلا العشاق، أو الحراس، أو العاملون في الصحة، أو الأرواح الوجلة التي تناجي خالقها، لم يكن والدي متجهًا إلى المسجد، بل إلى محرابه الوظيفي، مستشفى عمان الكبير، الذي أُنيطت به مهمّة إدارته بين فترتين عمل فيهما وزيرًا للصحة — والذي أصبح لاحقًا مستشفى عمان الكبير، مستشفى الجامعة الأردنية، لم يكن ذلك الصرح، في وجدانه، مجرد مشروع تشييد، بل كان امتدادًا لحلم غُرس عميقًا في روح الوالد، كمؤسسةً تحرس نبض الوطن، وتؤسس لكرامته الصحية، وجسرًا بين الحلم والمسؤولية، في تلك الحقبة، لم يكن العمل الميداني رفاهية، بل عقيدة، ولم تكن المسؤولية رتبة، بل التزام لا ينام.


كان والدي يؤمن أن الحراسة لا تبدأ بالسلاح بل بالضمير، وأن اليقظة ليست أوامر يتلقاها الجسد، بل وعيٌ ينبض من القلب، فَجْر ذلك اليوم، عند بوابة المستشفى الرئيسية، وقف والدي متفقدًا الحرس، ليجد البوابة مشرعة، والحارِسَيْن غارقين في نوم عميق، وبنادقهم مطروحة بجانبهما كأنها تخلت عن مهمتها، لم يغضب، لم يصرخ، لم يتخذ ردة فعل انفعالية قد توقظ الجسد وتترك الضمير نائمًا بهدوء، حمل السلاحين، ليس إهانةً ولا عقوبة، بل درسًا صامتًا يرمي إلى يقظة أعمق، خطته كانت بسيطة، أن يعيد السلاح قبل نهاية الوردية، بعد أن يدركا، حين يستيقظان، حجم الخطأ بشفافية الذات، لا عبر قرارات قسرية، لكن الذعر الروحي سبق الخطط، وحين افاقا لم يجدا سلاحهما، أدركا فداحة الغفلة، فذهبا طواعية إلى الجهات الأمنية، يبلغانهما عن فقدهما العهدة، لا بدافع الخوف، بل بفعل صحوة الضمير، انتقلت القضية إلى القضاء العسكري، رغم أن والدي لم يكن يرغب في أن تتخذ الحادثة هذا المسار، لكنه رفض التدخل، وآثر أن تبقى العدالة تمضي دون وساطات ولا استثناءات، لأن الوطن لا يبنى إلا بصدق المحاسبة، وحين علم بالحكم، لاذ بصمت العارف، لم يتأسف، بل أدرك أن الدرس قد وصل، لا إلى حيث خطط، بل إلى حيث يجب، دفع ثمنه اثنان أيقظا في قلوبهما حارسًا جديدًا من نور الضمير، من ذلك الموقف، تعلمنا أن من يُخطئ يستطيع أن يتطهّر بشجاعة الاعتراف، وأن الذنب لا يسقط المسؤولية بل يثبتها حين ننهض لحملها، تعلمنا أن الواسطة كانت يومًا تُمارس لرفع الظلم، لا لاختطاف حق أو الهروب من عقوبة.
تعلمنا أن الحراسة الحقيقية تبدأ من يقظة الروح، لا من عدّة السلاح، وهكذا بقي الدرس حيًا، أن الأوطان لا تُحرس بالبندقية وحدها، بل بوعي الحارس، بيقظة الضمير، وبمسؤولية لا تنام، وأن الحارس الحقيقي، إن غفل لحظة، قد يفتح بوابة الفوضى؛ ولكن إن استيقظ، أغلقها — إلى الأبد، في ذلك اليوم، لم يخرج الوالد فجرًا ليوقظ موظفين... بل ليوقظ وطنًا.
وما أيقظه، لم يكن الغضب... بل نور المسؤولية المتقدة في وجه الخطأ.
وللحديث بقية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :