المواطنة الحقة .. بين الصدق والادعاء
صالح الشرّاب العبادي
28-04-2025 11:48 AM
في زمنٍ تتداخل فيه القيم بالمصالح، وتُشترى فيه المبادئ بثمن بخس، تبرز الحاجة للحديث عن معنى المواطنة الحقة ، تلك التي لا تُقاس بالامتيازات، ولا تُوزن بالمناصب والهبات، بل تُولد في القلب وتُترجم في السلوك والعمل.
المواطنة الحقة ليست شعارًا يرفع حين تكون الظروف مواتية، وليست ولاءً مشروطًا بالمكاسب ، وليست المواطنة رقماً في بطاقة فقط ، إنها التزام أخلاقي وروحي لا ينقطع مهما اشتدت العواصف أو تبدلت الأحوال.
إن المواطن الحقّ لا يبدل وطنه كما يبدل ثيابه، ولا يساوم على حبه لأرضه لقاء امتياز هنا أو مكسب هناك.
أما أولئك الذين لا يرون في الوطن إلا جسرًا لمصالحهم، فإن ولاءهم لا يصمد ساعة تهب فيها رياح الخسارة او تحتدم معركة الحق بالباطل ، أو يُرفع عنهم امتياز كانوا يعدونه حقًا مكتسبًا.
هؤلاء الذين يدّعون المواطنة بثمن، سرعان ما تتلاشى ادعاءاتهم حين يتبدد بريق الامتيازات، وحين تُرفع عنهم مظلة المصالح، ينسحبون في صمت، أو يتحولون إلى ناقمين حاقدين.
فإذا ذهبت الامتيازات وتلاشت المصالح او أُختبرت الرجولة في حومات الوغى، او مرض الوطن أو افتقر او أحاط به الخطر ، ذهبت معهم مواطنتهم الزائفة، وكأن الوطن لم يكن يومًا بيتهم، ولا الأرض أرضهم، ولا التاريخ تاريخهم.
أما الأوفياء الشرفاء ، فهم الذين يبقون مع وطنهم في السراء والضراء، يُعطونه من عرقهم قبل أن يأخذوا من خيراته، ويصبرون على جراحه كما يصبر الابن على مرض أمه، ويقاتلون من أجله بالكلمة والعمل قبل أن يطالبوا بمغانمه وخيراته .
إن المواطنة الحقيقية لا تبتاع ولا تساوم ، هي انتماءٌ بلا مقابل، وعهد لا ينكسر، وعمل لا ينقطع ، وحب عذري لا يخدش.
هي أن تبقى مع وطنك حتى حين يتخلى عنك البعض، وأن تبنيه حين يحاول هدمه أو اختراق سيادته الآخرون، وأن تفتخر به ولو كان العالم بأسره يزدريه.
في عالمٍ تذوب فيه الحدود بين الثابت والمتحول، تبقى المواطنة الصادقة ضوءًا لا تخفت جذوته مهما اشتد الظلام.
تبقى المواطنة الصادقة هي الفرق بين من يبيع، ومن يضحي، بين من يهرب مع أول موجة، ومن يبني سدًا أمام الطوفان والعاديات ..
المواطنة ليست مكافأة، بل اختبار؛ ومن اجتازه ظلّ وجهه مرفوعًا أمام الله والتاريخ.
اما الدولة، فهي حتماً الراعي الأساسي الذي يقود عملية بناء وتعزيز ثقافة المواطنة الحقة من خلال تشريعاتها، سياساتها، خدماتها ، العدالة الاجتماعية ، التوزيع العادل للثروات والخدمات، توفير الأمن والأمان والاستقرار، احقاق العدل .. وهو ما يعرف ( بالعقد الاجتماعي ) وبهذا العقد، يصبح المواطن شريكًا في بناء الدولة، والدولة مسؤولة عن صون حقوق الأفراد وحرياتهم ، فإذا كانت الدولة قادرة على خلق بيئة يتم فيها تكريم المواطن وتوفير احتياجاته الأساسية، فإن ذلك يساهم بشكل كبير في بناء هوية وطنية صادقة وراسخة في قلوب الأفراد.
(الوطن لا يحتاج لمن يحبه حين يكون غنيًا وقويًا فقط؛ بل يحتاج لمن يفتديه حين يكون مهدداً ومحاطا بالأخطار..)