القضايا الزراعية بين الحقيقة والادعاء
م. عبير صقر
28-04-2025 10:31 PM
يعد قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تشعبًا وتعقيدًا إذ يتداخل فيه الإنتاج مع السياسات ويتقاطع مع ظروف طبيعية واقتصادية متقلبة لا تخضع لسيطرة أحد، ورغم ذلك نرى بعض الأصوات الإعلامية تتنطع لتحليل المشهد الزراعي وكأنها تمتلك مفاتيحه السحرية بينما هي في واقع الأمر بعيدة كل البعد عن تفاصيله اليومية وتشابكاته الخفية.
الخطأ الأكبر الذي يقع فيه بعض الإعلاميين هو التجرؤ على الخوض في شؤون الزراعة بدون الإلمام الكافي بالسياسات التي تنتهجها وزارة الزراعة أو فهم التحديات الحقيقية التي تواجهها على الأرض بل إن بعض القنوات الإعلامية تتعمد استهداف وزير الزراعة تارة بالتلميح وأخرى بالتصريح وكأنها تصنع منه كبش فداء لأزمات تراكمت لعقود متجاهلة كل قواعد النقد المسؤول المبني على معرفة دقيقة
وهنا يجب أن نطرح سؤالا مهما: من يخدم هذا الاستهداف الممنهج؟، إنه يخدم أجندات ضيقة لا علاقة لها بتطوير القطاع الزراعي ولا بمصلحة الفلاحين إنه يخدم الإرباك بدل الإصلاح ويعزز الإحباط بدل بث الأمل والعمل.
ومن موقع عملي كأحد كوادر وزارة الزراعة وكحاصلة على جائزة أفضل برنامج إرشادي للتميز أكتب هذه الكلمات بدافع محبتي لوزارتي واعتزازي بإدارتها واطلاعي العميق من قلب المؤسسة على حجم الجهود التي تبذلها الإدارة الزراعية في تنظيم القطاع وجذب الاستثمارات النوعية التي تخدم المزارعين وتحقق رؤى وطموحات سيد البلاد حفظه الله في دعم التنمية الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.
وزارة الزراعة وبرغم قلة الإمكانيات وشح الموارد تبذل قصارى جهدها لتطوير القطاع وحماية الأمن الغذائي فهي تدعم المشاريع الصغيرة وتطلق المبادرات الزراعية الحديثة وتقدم الإرشاد للفلاحين في كل المحافظات تعمل الوزارة كخلية نحل لا تهدأ رغم صعوبة الظروف ويكفي أن نقول إن الوزارة نجحت رغم كل الأزمات في الحفاظ على استقرار العديد من المنتجات الزراعية الأساسية ودعمت المزارعين في البوادي والأرياف دون أن تتوقف عن البحث عن حلول دائمة ومستدامة
لا ننكر أن هناك تحديات قائمة ومشكلات تستحق النقاش ولكن النقاش العلمي الرصين يختلف تماما عن حملات التشويه الممنهجة التي يتقنها بعض الإعلام والتي تتعامل مع القضايا الزراعية وكأنها أخبار سريعة تصلح لملء الفراغات في نشرات الأخبار دون أدنى احترام لتعقيدات القطاع وأهمية الزراعة للأمن الوطني.
ولنأخذ مثالا بسيطا، من السهل أن يجلس أحدهم خلف مكتبه الفخم ليقول الزراعة متراجعة لكنه لو اقترب قليلًا من المزارعين الحقيقيين لعرف حجم الدعم التقني واللوجستي الذي تقدمه الوزارة رغم ضعف الميزانيات ولو تفحص خريطة الإنتاج الزراعي لأدرك أن كثيرا من النجاحات تبنى بصمت بعيدا عن أضواء الكاميرات والميكروفونات المستعجلة.
المنطق يفرض أن نكون موضوعيين نعم نطالب بالتطوير المستمر ونرصد الأخطاء لتقويمها ولكن أن نغفل الجهود المبذولة ونختزل المشهد في اتهامات عشوائية فهذا ليس نقدا بل ظلم وأبعد ما يكون عن المهنية.
ختاما: قطاع الزراعة ليس ترفا إعلاميا بل قضية سيادية تمس قوت المواطن واستقرار الوطن ومن يريد أن ينتقد فليكن ناقدا متمرسا لا مدعيا ومن يريد أن يصلح فليمد يده بالعون لا أن يشهر سيف الاتهام دون علم.