*مهونة لمن أثقلته هموم العمل في يوم العمال
في اليوم العالمي للعمال، أقول لكل يدٍ كادحة، ولكل روحٍ مرهقة، ولكل ضميرٍ لم يساوم، ولأصحاب القبعة الزرقاء: مهوّنةٌ إن شاء الله.
في يوم العمال، كل يومٍ أنت فيه عيد؛ يومَ تقوم بعزمٍ وإصرار على بناء أركان الوطن العظيم، وتشييد بنيانه بالعمل الدؤوب، كمحرّكٍ لاقتصاد البلاد، ورافعةٍ لرفعة الوطن. وفي كل صباحٍ، أنت في حالة دفعٍ لعوامل الاحتكاك، تتجاوز العقبات والتحديات، تعمل بصمتٍ نبيل لأداء المهام والمسؤوليات.
وإلى صاحب الظلّ الخفي، الذي لا تعرفه المنصات، ولا تصله الأضواء: مهوّنة إن شاء الله، ما دام المال حلالًا، والنية خالصة، والغاية سامية... فمن سار على الدرب وصل.
مهوّنة لمن بلع ريقه على آلام الدوام، ومنغّصات الاشتباك، وتصبّب عرقًا خوفًا على رغيف خبزٍ أن لا يُخبز، وما أخرجه من بيته سوى طلب قوت ولده، ومن أذهلته الدنيا بمطالب والتزامات شتّتت عقله بين قسطٍ بنكي، وإيجار منزل، ودواءٍ يستشفي به حبيبٌ إلى قلبه، أو لوحة كراسٍ تأخر بها عن طفله لأداء واجباته المدرسية.
مهوّنة لمن تُطالبه زوجته بالفراق، لا عن جفاء، بل لأنّ الجوع أوجع كرامتها.
مهوّنة لمن يغرق في روتينٍ خانق، ومهام لا تليق بكفاياته ولا بفنه، بلا تحفيز، بلا تقدير، لا يدرك لماذا أو كيف يسهم في القيمة النهائية لمنظمته أو معمله.
مهوّنة لمن يُقصى عن الانخراط في مشاريع نوعية، أو حضور الندوات المهنية، أو الورش الفنية، لأنه لا يُجيد التملّق، أو القفز السريع، أو تسلّق الجدران، أو الولوج من خلف الباب أو الشباك. ويُحرَم من العلاوات لأنه لا يُصفّق، ويُمنع من السفر وبدل التنقلات لأنه ثابتٌ على مواقفه، لا يُزحزَح.
مهوّنة إن شاء الله إلى من كُسر شغفه؛ فكل مقترح أو فكرة يقدمها لا تُسمع، بل تُسفّه وتُهمَل، وكلما أشار إلى خللٍ أو عطل قائلاً: "إنّي لكم ناصحٌ أمين"، لوَوا رؤوسهم بأن "الخيرَ ما كان، وليس بالإمكان خيرٌ مما كان". ومن فتّش عمّا في قلبه، وإن اقترن ذلك بفعله، أُثيرت حوله الشكوك بأنه مندسٌّ أو مقامر.
مهوّنة إن شاء الله إلى من يعيش وسط ثلّةٍ من المتسلّقين والمنافقين، ممن يرفعون أصواتهم لا أفكارهم، ممن يُتقنون فنون التزلّف، ويأكلون من جهد غيرهم دون حياء.
ومع كل ذلك، أقول لك: لا تيأس، لا تُحبَط، لا تنكفئ.
نفسك التي بين جنبيك أمانةٌ في عنقك، فبها تلطّف، وصحتك رأس مالك، فلا تُبذّر ما تملك، وسمعتك رصيدك الحقيقي، وتراب قدمك أثرك فيها بعد الموت يُذكَر، فلا تبيع الفاني بالباقي.
نفسك، راعِها حقّ رعايتها، لا تزجّ بها فيما لا يليق.
لله عليك حق، ولأهلك وولدك حق، ولنفسك حق، فأعطِ كلّ ذي حقٍّ حقَّه.
الاحتراق المهني تجنّبه؛ فالشعلة إذا احترقت لا يُرجى لها خير، فهي لا تُنير بعدها أحدًا.
وازن بين حياتك الشخصية وعملك، فلا البركة تُدرَك بالإفراط، ولا الراحة تُنال بالإهمال.
طوّر نفسك، ولو لم يكن ذلك مطلبًا وظيفيًّا؛ فرفاهية العقول بالتطوير والتحسين، وفاكهة الروح بالاطلاع والتنوير.
اقرأ، تعلّم، راقِب المستجدات، واركب معنا موجة التحسين والتطوير... وكن أنت التغيير الذي تطلبه، وكن أنت الغد الذي تنتظره.
حسّن خطابك مع نفسك، لا تقسُ عليها، ولا تُدلّلها، بل ازرع فيها الطموح، وازنها بالحكمة.
في كل صباحٍ، جدّد السؤال:
ماذا أريد؟ كيف أُجيد؟ وما القيمة التي سأُضيف؟
ابذل الجهد الذي تستطيع، كن منفتحًا، متعقّلًا، مرنًا، واقبل الملاحظات التي تُحسّن أداءك؛ فالعاقل من يُصغي، حتى وإن آلمته الحقيقة.
كن رفيقًا بزملائك، عادلًا في تقسيم الجهد، نزيهًا في الإنجاز، لا تسرق تعب الآخرين، ولا تُنسب لنفسك فضلًا لم تبذله.
إيّاك والابتسامة الصفراء يعقبها قبيح التصرفات، أو نشر السموم والإشاعات في بيئة عملك.
لا تأكل من صحن زميلك ثم تلقي قمامة فعلك في كأسه.
لا تحدّث بكلّ ما تسمع، لا تنطق بما لا ينفع.
تجنّب ثرثرة العمل، والخوض في عرض الزميل أو الموظفة.
لا تسعَ لكسبٍ سريعٍ على حساب الجودة.
أحسن إلى عملائك كأنهم الجدّ الوقور، أو الصديق الذي تُشاوره، أو الخبير الذي تُشركه في صناعة منتجك.
وعليك بالتأني والنَّفَس الطويل؛ فالرزق أوسع من أن يُنال بالخداع أو التضليل، أو القفز إلى آخر السطور، فـجمال الرحلة في الركوب، لا مجرّد الوصول.
كن سفيرَ أهلك، وممثّلًا لقيمك وخُلُقك، واجعل من أدائك رافعةً لسمعة مؤسستك ونهضة وطن، لا خنجرًا في خاصرتها، ولا حجرًا يعيق تقدّمها.
أما أنت أيها القائد الباني،
فإنّ حِملك ثقيل، والسؤال عنه عظيم.
إنها أمانة، ويوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من حملها بحقّها.
إيّاك وتتبع الإعجابات، وانتقاء سماع ما تتجاذبه القلوب وتُدغدغ به المشاعر، في تغييبٍ عن نقل الحقيقة ووصف الواقع.
واحذر فتنة المنصب، فإنّ الجنائز إذا حُمِلت يومًا على الأكتاف، سقطت عنها كلّ الألقاب والمناصب، وهي أمّا إلى جنّاتٍ ونهر، أو حسابٍ على ما مضى وسلف.
القيادة، وإن تعرّضت لصعوبات الطريق، تظلّ اختبارًا:
فالصداع لا يصيب إلا الرأس، وإن توجّعت معه بقية أعضاء الجسد.
فالقائد المحترف يتحلّى بالهدوء والاتزان عند الأزمات وإدارة الملمّات.
كن شجاعًا. لا تدع اليد ترتجف عند اتخاذ القرار، ولو تألمت.
كن نبيل الخصال في تحمّل المسؤوليات، وإيّاك والبحث عن "كبش فداء".
وإن كان الفشل يتيمًا، فإن النجاح له ألف أب.
افتح بابك للجميع، واخرج من صومعة غرفة المدير إلى أرض المصنع حيث الميدان، ولا تضع بينك وبين الناس حُجّابًا من المجاملة أو البطانة السيئة.
لا تُحوج الموظف إلى خطب ودّ المراسل أو القائم بأعمال مدير المكتب.
استمع للنصيحة، وإن أوجعتك، فالأمانة لا تُصان بالكلمات اللطيفة فقط، ولا بالمجاملات الفارغة.
تجنّب المحاباة، وميّز بين من يخدم المنصب أو الكرسي، ومن يخدم الغاية والرسالة.
حافظ على أعظم موردٍ وهبه الله للمؤسسة: الإنسان. إنه أغلى ما نملك.
ولا تكسر قلبًا عمل معك بصدق،
فدعوة المظلوم تخرج من قلبٍ موجوع، إلى سماءٍ لا تُغلق أبوابها، ولا تخطئ صاحبها وإن طال الأجل.
عيدك مبارك، أيها الشريف الصابر، الشغوف المثابر، المضيء دائمًا نورًا لمن حوله.
ثق أن الله معك ما دمت مع الوطن، واعلم أنك – وإن كنت بعيدًا عن المظاهر – فأنت في قلب الرسالة حاضر.
اعمل، فمن عندك تبدأ الحكاية، وأثرك يحكي عنك ألف حكاية، وما دامت النية حاضرة، فإن المولى يتولى الباقية.
ازرع بذرة، واصنع أثرًا، ولو لم يُصفّق لك أحد. فإنّ الأرض لله، يخرج منها سنابل، وحصائدها ثمرة.
ولا تنسَ أن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملًا.