من "طوفان الأقصى " إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط
د. محمد القوابعة
02-05-2025 06:46 PM
منذ اللحظة الأولى لإطلاق عملية السابع من أكتوبر، أو ما اصطلح عليها بـ"طوفان الأقصى"، بدأت ارتداداتها بالتوسع السريع، بشكل يشبه تأثير أحجار الدومينو المتساقطة، حيث جاءت بمثابة زلزال استراتيجي لم تنتهِ تداعياته حتى اليوم.
ما حدث يوم السابع من أكتوبر، تجاوز كونه مجرد عملية عسكرية للمقاومة الفلسطينية، ليصبح نقطة تحول مفصلية في عمر الصراع، وأعاد فتح ملف القضية الفلسطينية بكل أبعادها: الإنسانية، والتاريخية، والسياسية. كانت صرخة تذكير قوية بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل قضية حق وعدالة وكرامة شعب.
أظهرت العملية هشاشة الدولة الإسرائيلية على جميع الأصعدة، الأمنية والسياسية والاقتصادية. كما أحدثت شرخاً عميقاً في الشعور الجمعي بالثقة داخل المجتمع الإسرائيلي، مما أدى إلى انقسام داخلي وتراجع في الشرعية الدولية.
في الإقليم، بدأت تظهر معالم "وحدة الساحات"، من لبنان إلى اليمن، مروراً بسوريا والعراق. لكن سرعان ما تحوّل هذا التماسك الظاهري إلى كلفة باهظة على تلك الدول. من اغتيال حسن نصر الله، إلى سقوط نظام الأسد، وتراجع الميليشيات في العراق، إلى مأزق الحوثيين في اليمن، بدت تلك الأحداث وكأنها بداية أفول لمشروع "محور المقاومة" الذي تقوده إيران.
حادثة مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، واغتيال إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية - وفقاً للاتهامات الموجهة لإسرائيل - دفعت طهران إلى الرد، لكنها سرعان ما وجدت نفسها أمام خسائر إستراتيجية أجبرتها على التراجع والانكفاء.
مع انحسار النفوذ الإيراني، يبرز سؤال جوهري: من يملأ الفراغ؟ هناك خياران رئيسيان:
صعود المشروع القومي التركي بواجهة إخوانية.
أو ولادة مشروع عربي جديد أكثر عدالة ومرونة، تقوده دول مثل مصر، الأردن، الإمارات، والسعودية.
هذا ما قد يفسر تصاعد الضغط على جماعة الإخوان في الأردن، وتحوّل المزاج العام نحو الانفصال عن الخطابات العابرة للحدود، لصالح الهويات الوطنية.
قد تكون التحولات القادمة أكثر صعوبة، لكنها ضرورية. فهي تمثل لحظة مراجعة عميقة لهوية العرب السياسية، ومسؤولية بناء نظام إقليمي عادل ومستقر تقع على عاتق الأنظمة، والنخب، والشعوب.
..