الأردن أثبت أن الأمن لا يُصنع بالقمع
المحامي الدكتور هيثم عريفج
03-05-2025 12:01 PM
على مدى عقود، شكّل الأردن نموذجًا فريدًا في المنطقة في تعامله مع الأزمات السياسية والاجتماعية، من خلال نهج متوازن يجمع بين احترام القانون والدستور، والحفاظ على هامش حرية يتيح للمعارضة أن تعبر عن آرائها دون خوف أو تضييق. لم يكن هذا النهج وليد الصدفة، بل هو مسار سياسي متدرج اختاره الأردن بعناية، وكرّسه عبر ممارسات متراكمة أثبتت نجاعتها على أرض الواقع.
في الوقت الذي اختارت فيه بعض الأنظمة العربية اللجوء إلى الحلول الأمنية القمعية، دفع الأردن نحو بناء علاقة تفاعلية بين الدولة والمجتمع، قائمة على الشراكة لا الصدام، وعلى الحوار لا البطش. هذه السياسة لم تضعف هيبة الدولة، بل عززت اللحمة الوطنية، وجعلت الأمن جزءًا من وعي المواطن ومسؤوليته، وليس فقط من اختصاص الأجهزة الرسمية تجلى ذلك في وعي الأردني خلال أزمات الربيع العربي.
لقد وفر الأردن مساحة من الحرية السياسية، أفسحت المجال أمام المعارضة الملتزمة بالدستور والقانون، لتكون جزءًا من المشهد الوطني، لا خارجه. هذه المعادلة منحت الشعب الأردني شعورًا بالاحتواء، ورسخت الشعور بالانتماء، وخلقت مناخًا من الثقة المتبادلة بين النظام والمجتمع، مما ساعد على تجاوز أزمات إقليمية ومحلية كادت أن تعصف بأمن واستقرار دول مجاورة.
الأردن بلد وضع نهجًا واضحًا في التعامل مع الأزمات، ومع القوى السياسية الأردنية التي تلتزم بالقانون والدستور، ووضع أيضًا عبر تاريخه نهجًا حازمًا في مواجهة كل من يخالف القانون أو يحاول الاعتداء على أمن الأردن أو الأردنيين. ذلك لن يتغير، ولن تُفرض الأزمة الحالية على الأردن تغيير أسلوبه أو انتهاج سياسات لا تشبهه، كما هو الحال في بعض الأنظمة العربية الأخرى. فلكل دولة خصوصيتها، وقد أثبت النهج الأردني أنه الأنجح والأكثر نجاعة في الحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية.
وهنا تبرز خصوصية التجربة الأردنية، ليس فقط كمسار سياسي ناجح، بل كدرس إقليمي في كيفية الجمع بين الحزم والانفتاح. فالدولة التي تحترم مواطنيها وتمنحهم مساحة للتعبير، هي الدولة التي يجد شعبها نفسه مسؤولًا عن أمنها واستقرارها. وهذا ما جعل الأمن في الأردن قيمة مجتمعية، وليست فقط وظيفة مؤسسات.
في المقابل، أثبتت التجربة أن القمع وحده لا يبني دولة، بل قد يكون سبب هدم لها. ولنا في مصير العديد من الأنظمة القمعية التي اندثرت، رغم أجهزتها الأمنية الثقيلة، الدرس الأبلغ. تلك الأنظمة لم تستطع بقوتها الأمنية أن تحمي نفسها من السقوط، لأن غياب الثقة بين الحاكم والمحكوم حوّل البلاد إلى ساحة انفجار دائم.
لقد أثبت الأردن أن طريق الاستقرار ليس في كتم الصوت، بل في سماعه؛ وليس في تغييب الرأي، بل في احترامه. ومن هنا، فإن تمسك الأردن بنهجه المتوازن ليس فقط خيارًا سياسيًا، بل هو ضرورة وطنية لضمان استمرار استقراره ووحدة شعبه.