ما بين الرعية والمواطنة ثمة فاصل
د. محمد القوابعة
04-05-2025 11:27 AM
المواطنة..
هذا المفهوم العابر للجغرافية، والزمن، الممتد إلى الإغريقية في أصله، ليشهد ولادة أقدم ديمقراطية في التاريخ.
المواطنة لم تكن حقاً في حينها ، يتساوى فيه الجميع، بل امتيازا شمل أقلية من مكونات المجتمع، وبدرجات مختلفة في نوعها ، كالطبقة الأرستقراطية، وكبار الفلاحون، وأصحاب المهن والحرف.
اما المستثنى منها ، فـ النساء والعبيد والغرباء.
ارتبطت المواطنة في تكوينها بالمدينة، وهو تأكيد قيمي و قانوني على الإنتماء لها، وهي انعكاسه على نشاطها، وحركتها، كما هي ذاته الفاعلة في إدارة شؤونها اي " المدينة " ، إذ كان على المواطن المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات اللازمة لرفع جودة الحياة ، فضلاً عن الدفاع عنها إذا لزم الأمر .
إذ تكمن حقيقة المواطنة، في أصلها التاريخي، بالانخراطا في الشأن العام للحفاظا على مصالح المدينة.
في المقابل ، لم يعرف العالم ما دون الإغريق و الرومان هذا الفهم ، بل تسيد مفهوم الرعوية، والذي يعتبر الإنسان محط الرعاية، بفهم أقرب إلى الفوقية، وممارسة الوصاية عليه " السلطوية " بشكلها الفج، بحجة فهم ما ينفعه وما لا ينفعه، ليصارده ب الكلية.
وبخلاف مفهوم المواطنة الذي يربط انتماء الفرد ب الجغرافيا التي يحوز، لتكن محدداً لمصدر هويته.
تذهب الرعوية ع النقيض ب الفرد، إلى ارتباط عضوي بمركزية السلطة الحاكمة، المتمثلة بشخص الراعي الأوحد الضرورة ، والذي يأخذ على عاتقه الحفاظ على ذات ومصالح "الرعية".
وهنا تتجذر ثنائية الراعي والرعية من بعدها الاقتصادي الزراعي، والمتمثلة بحرص الراعي على قطيعه ، المتمثل ب قيادته إلى أماكن وفرة الماء، والكلا، إذ يتوجب الإشراف الكامل على الرعية، من خلال احتكار المعرفة والمهارة الضرورية في ادارة شؤونها، و على النقيض التام للمواطنة، التي تفترض تشكل المعرفة والمهارة لدى المواطن كي يساهم بمجموعه ، في المشاركة بإدارة شأن العام .
ومع استحضار التراث الديني، نجد انه رسخ الرعوية بكل صورها ، اذ بلغ الذروة، بظاهرة ما يسمى تزاوج السلطة والدين، والتي يظهر بموجبها صاحب السلطة كراع لمصالح (الرعية)، في تراتبية امتدت على مدى قرون طويلة، بنيت ع اساسها العلاقة ، ضمن أطر سلطوية يمتلك فيها صاحب السلطة السيادة والمعرفة،و تملك الرعية في المقابل.. الجهل والطاعة .
ومع إحياء هذا الموروث ، للفترة الزمنية الممتدة ما بعد القرن الثامن عشر فصعوداً ، او ما يطلق عليه مسمى " عصر التنوير" اخذ مفهوم الرعوية منحنى من النقد الفكري والتفكيك القانوني ليستبدل تدريجيا، بحلول القرن التاسع عشر، ب مفهوم المواطنة، كناظم أساسي للعلاقة بين صاحب السلطة و مانحها.
المواطنة في مستواها الأدنى هي "الحق"، وفي مستواها الأعلى "الواجب" ف ليست امتيازا طبقيا أو جندرياً ، فقد شهد المفهوم تطوراً في المعنى والدلالة، بخلاف الفهم المبني على أصله، فهي اليوم مصدر التشريع، و شرعية القبول لمن يمنح له السلطة.
فاين نحن اليوم من الرعوية " دلالة ومضمون؟.