facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حرية الصحافة: الكلمة بين قدسية الحقيقة وسياط القمع


صالح الشرّاب العبادي
04-05-2025 12:01 PM

في الثالث من أيار من كل عام، يحتفي العالم بما يُعرف بـ ( اليوم العالمي لحرية الصحافة ) ، ذلك الحدث الذي لم يعد مناسبة رمزية عابرة، بل صار صرخة وضميرًا، ومناسبة لتجديد العهد مع الحقيقة التي تُذبح كل يوم على أعتاب المصالح والنفوذ ومناطق الصراع .
انا لست صحفيًا بالمعنى المهني، بل كاتبًا ومحللًا يعايش الأحداث من زواياها المتعددة، ويراقب كيف تتصارع الحقيقة مع آلة التضليل ، أكتب اليوم عن حرية هي ليست مجرد شعار أو مطلب، بل واجب مقدّس، وأمانة ثقيلة، ودماء سالت على طريق الكلمة.

حرية الصحافة ليست امتيازًا ممنوحًا من سلطة، ولا ترفًا فكريًا يتباهى به منابر الإعلام، بل هي حق أصيل، يُشتق من جوهر إنسانية الإنسان، ومن حقه في التعبير، والمعرفة، والمساءلة ، إنها ليست مجرد وسيلة إعلامية لبثّ الأنباء وتداول المعلومات، بل هي سلطة رابعة، تشكّل حجر الزاوية في توازن السلطات، وضمانة للعدالة، وصوتًا للأصوات الخافتة في الهوامش والأركان المظلمة .

ولكن، ما بين المفهوم والممارسة، مسافات من الألم والخذلان ، ففي مناطق النزاع، وتحت سطوة الاحتلالات، وفي ظل الأنظمة القمعية، تتحوّل حرية الصحافة إلى هدف مرصود، ويغدو القلم تهمة، والكلمة طلقة، والصورة سلاحًا .
في غزة، حيث الحقيقة تسير حافية بين الأنقاض، يُقتل الصحفيون لأنهم حملوا الكاميرا بدلاً من البندقية ، وفي زوايا كثيرة من هذا العالم، يُشترى الضمير، ويُوجّه الخبر، وتُصاغ الحقائق وفق بوصلة الممول لا مرآة الواقع.

وما يزيد المشهد تعقيدًا هو ولوج العالم إلى مرحلة جديدة تُسمى بثورة الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الفضاء الإلكتروني، حيث بات بإمكان أي فرد، من أي ركن في هذا الكوكب، أن يبثّ، ويكتب، ويصوّر، ويؤثّر ، لكنها حرية مزدوجة، إذ يُتاح لك أن تعبّر، ولكنك أيضًا مهدد بأن تُراقَب، تُحاصر، تُلغى، أو تُغرق في طوفان الأكاذيب ، فحرية الرأي اليوم ليست فقط مهددة بالقتل الجسدي، بل أيضًا بالتزييف والتضليل والابتذال ، والمحتوى التافة الهزيل الرخيص.

إننا نعيش مفارقة تاريخية: فمن جهة، تتسع مساحات التعبير بفضل التكنولوجيا، ومن جهة أخرى تضيق صدور الأنظمة والجهات النافذة بكلمة لا تروق لها ، وهنا يُصبح السؤال: ما جدوى حرية تُخنق كلما اقتربت من الحقيقة؟ وما قيمة صحافة لا تؤدي دورها إلا حين يُؤذن لها؟!

حرية الصحافة ليست فوضى ولا ترفًا، بل مسؤولية أخلاقية ومهنية، تُلزم صاحبها أن يكون أمينًا في نقل الحقيقة، وأن يتجرد من الانحياز إلا للإنسان وكرامته ، وهي حرية لها شروط، تنأى بها عن أن تكون أداة لهتك الأعراض، أو إثارة الفتن، أو تمرير الأجندات ، او تزييف الحقائق او تبديلها او إعمائها ، إنها حرية لا تنفصل عن شرف المهنة، ولا عن ضمير الصحفي، ولا عن نبض الشارع.

إن الحديث عن حرية الصحافة في هذا اليوم ليس احتفالًا بقدر ما هو وقفة مراجعة، وتأمل عميق في واقع مأزوم ، إنها دعوة لاستعادة قدسية الكلمة، ولإدراك أن الحقيقة ليست فقط مسؤولية الصحفي، بل مسؤوليتنا جميعًا ، الكلمة الحرة لا تموت، وإن اغتيلت أجساد أصحابها، تبقى شاهدة في ذاكرة الشعوب، وتنبض في ضمير الأحرار.

في زمن تسوده الضوضاء، وتصنع وتصاغ فيه الحقائق في غرف مظلمة، تظل الصحافة الحرة منارة، وحارسًا للوعي، وسدًا في وجه الزيف، فلتكن هذه المناسبة جرس إنذار، لا مجرد احتفاء، ولنرفع الصوت عاليًا: الكلمة أمانة، والصحافة ضمير، والحرية حق لا يُساوَم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :