الإنسان العربي: بين قناع الفضيلة وظل المصلحة
جمعة الشوابكة
08-05-2025 08:00 AM
في الركن المهجور من التاريخ، حيث تتكدس الشعارات وتتعفن الخطابات، يعيش الإنسان العربي مأزقًا معرفيًا صارخًا: ليس لأن العقل ناقص، بل لأن الحقيقة ثقيلة، والخرافة مريحة.
بين من يعيش في زمن مضى عليه أربعة عشر قرنًا، ومن غرق في أوهام المؤامرة والأحلام الوهمية، ضاع العقل العربي، وانكمش دوره، وتحوّل من صانع حضارة إلى مستهلك ذاكرة. نكران الحقيقة لم يعد موقفًا عابرًا، بل أصبح سلوكًا جماعيًا، يُمارس بانتظام، ويُزيَّن بتبريرات فكرية وثقافية.
فالعربي اليوم – في كثير من تجلياته – يمارس التناقض وكأنه فضيلة: يُمجد النخوة في اليمن، ويبحث عن وظيفة في السعودية. يلعن أمريكا علنًا، ويحلم بجوازها سرًا. يتغنى بالقيم، ويبيعها عند أول عرض مجزٍ.
هذا الانفصام لا ينبع من الجهل فحسب، بل من اعتياد التهرب من المواجهة. فبدلًا من النظر في المرآة، نكسرها. وبدلًا من بناء الذات، نرثي المصير. أمة تعيش من ماضٍ لم تُجيد قراءته، وتخاف من مستقبلٍ لم تُخطط له.
الانتهازية تحوّلت إلى مهارة حياتية. من يملك المال، يُحاط بالولاء. ومن يملك القوة، يُرفع إلى مصاف الأولياء. ومن يملك الفكرة... يُسكت، أو يُتهم، أو يُنفى.
ووسط هذا الخراب، ولدت أحزاب على مقاس الأفراد، لا على مقاس الأفكار. أحزاب تشبه الراقصين على رؤوس الأفاعي: كثيرٌ من الضجيج، قليلٌ من المعنى، وانعدامٌ تامٌ للمشروع.
والنتيجة؟ لا إبداع، لا اختراع، لا اختراق. لا جامعات تُنافس، لا كتب تُقرأ، لا فكرة تُصدّر. أمة تنتظر المعجزات، وتخاف من السؤال.
الإنسان العربي – حين ظُلِم – استكان، وحين قُدِّم له الذهب، مال. يُغيّر وجهه أكثر مما يُغيّر فكرته. ينتمي حيث المصلحة، ويتديّن حيث الخوف، ويتظاهر بالشرف وهو يبرر الغش والكذب والخيانة.
وهنا السؤال المرّ: كيف لأمةٍ أن تنهض، إن كانت تبني على الرمال، وتؤمن بالخرافة أكثر من الواقع، وتربّي أبناءها على الصمت بدل السؤال؟
لن ننهض إلا حين نخلع القناع، ونحطم المرآة الزائفة، ونواجه الوجه كما هو: مشوّه، متناقض، لكنه قابل للإصلاح... إن توفرت الشجاعة.