العدالة الاجتماعية استحقاق .. وليست خيار ثانوي
المحامي الدكتور هيثم عريفج
10-05-2025 02:01 PM
في خضم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه مجتمعاتنا اليوم، تبرز العدالة الاجتماعية كمرتكز أساسي لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار والتنمية. هي ليست ترفًا فكريًا، ولا مطلبًا يمكن تأجيله إلى مراحل لاحقة، بل هي ضرورة ملحة، وشرط جوهري لبناء مجتمع متوازن، منصف، وعادل.
نسعى لمجتمع تتحقق فيه المساواة الحقيقية، لا تلك التي تظل حبيسة الشعارات، بل تلك التي تتجسد في السياسات والفرص والممارسات اليومية. نريد وطنًا تُصان فيه الكرامة الإنسانية، دون تمييز على أساس الجنس أو الأصل أو الوضع الاقتصادي. نريد أن يكون التعليم حقًا مكفولًا لا امتيازًا، وأن يكون العمل متاحًا لمن يسعى إليه بكفاءة، وأن يكون النظام الصحي قادرًا على رعاية الجميع دون تمييز أو تفرقة.
العدالة الاجتماعية لا تعني المساواة في كل شيء، بل تعني الإنصاف؛ أن يحصل كل فرد على ما يستحق، وفق حاجاته وإمكاناته، وأن لا يُترك أحد خلف الركب. إنها عدالة تكسر قيود التهميش، وتُزيل الحواجز المصطنعة التي تفصل طبقة عن أخرى، وفئة عن أخرى.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية دور الأحزاب السياسية النابعة من رحم الشارع الأردني، والتي تعكس تطلعات الناس وهمومهم اليومية. هذه الأحزاب ليست مجرد أدوات انتخابية، بل يجب أن تكون منصات حقيقية لوضع برامج واقعية ومتماسكة، تستند إلى مبادئ العدالة الاجتماعية، وتُسهم في صياغة سياسات تضمن تكافؤ الفرص وتوزيعًا عادلًا للثروات والخدمات.
إن على هذه الأحزاب مسؤولية تقديم رؤى واضحة وقابلة للتطبيق، تتناول إصلاح التعليم، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الحماية الاجتماعية، وضمان الرعاية الصحية للجميع. كما أن دورها في الرقابة والتشريع لا يكتمل دون أن يكون موجّهًا لخدمة الإنسان الأردني، والدفاع عن حقوقه، وتحقيق تطلعاته في حياة كريمة.
من دون عدالة اجتماعية، ستظل الفجوات تتسع، والاحتقان يتزايد، والثقة تتآكل بين الناس ومؤسساتهم. ومن دونها، لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية أو استقرار دائم. فالديمقراطية تفقد معناها إذا كانت حكراً على من يملكون، والتنمية تفقد قيمتها إذا لم تمس حياة من يحتاجونها فعلاً.
المطالبة بالعدالة الاجتماعية ليست صرخة احتجاج فقط، بل هي دعوة لبناء وطن يتسع للجميع، ويضمن الكرامة لكل أبنائه. وهي مسؤولية مشتركة، تبدأ من الإرادة السياسية، وتمر عبر أداء حكومي رشيد، وتكتمل بمساهمة الأحزاب الوطنية والمجتمع المدني.
العدالة الاجتماعية ليست خيارًا ثانويًا نلجأ إليه بعد أن "نرتب" أولوياتنا؛ بل هي أساس الترتيب ذاته. إنها روح المجتمع السليم، والضامن الوحيد لوطن لا يُقصي أحدًا، ولا يتجاهل ألم أحد.