الحكومة ليست مؤسسة خدمية فردية تتعامل مع معاناة الناس وكأنها حالة استثنائية لكل فرد يأتي ليحمل ملفه بيده ويدسه في جيب مسؤول، بل هي مؤسسة وطنية تخطيطية تنظيمية رقابية تنفيذية واجبها ان تنظر الى الصورة الكاملة الى المصلحة العامة الى المواطن بوصفه شريكا في الوطن لا رقما في طابور المطالب.
ان اقتصار عمل الحكومة على استقبال اوراق الشكاوى وحلها بشكل فردي لن يصنع وطنا ولن يحقق عدالة ولن يبني دولة، بل يكرس الفوضى والواسطة ويجعل من مؤسسات الدولة مجرد مكاتب بريد تنقل الطلبات دون معالجة جذرية للحلول التي تصنع الفرق.
لا نحتاج حكومة تسير خلف هموم المواطنين، بل حكومة تسير امامهم حكومة ترسم الطريق وتبني المؤسسات وتخلق الفرص لا تنتظر المواطن ليتحدث عن الظلم بل تستشعر الظلم وتعالجه قبل ان يتحول الى نزيف جماعي الحكومة الناجحة هي التي تمتلك خطة وطنية شاملة قابلة للتطبيق تتضمن اهدافا واضحة ومؤشرات قياس دقيقة وتواقيت زمنية صارمة وتعمل على التنسيق الفعلي بين الوزارات لا ان تعمل كل وزارة بمعزل عن الاخرى كأنها جزر متباعدة الحكومة مسؤولة عن ايجاد الحلول المستدامة لا المسكنات الحكومة مسؤولة عن تقييم مستمر لكل وزارة وكل مسؤول وعن اتخاذ القرار الفوري للتعديل او التغيير متى تبين الخلل الحكومة مسؤولة عن العدالة في توزيع الفرص والموارد وعن تسهيل حياة المواطن لا تعقيدها.
مسؤولة عن حفظ كرامته لا اذلاله في طوابير الانتظار او في مكاتب اصحاب النفوذ الحكومة يجب ان تضع الانسان في صلب اهتمامها تخطط لحاضره وتبني لمستقبله وتوفر له الامن والعمل والصحة والتعليم دون ان يضطر لمقابلة مسؤول او البحث عن واسطة.
الحكومة ليست ضيفا على الوطن، بل شريك حقيقي في تطويره ولا معنى لوجودها اذا لم تشكل فارقا في حياة الناس لا نحتاج حكومة تبتسم في اللقاءات وتوزع الوعود نحتاج حكومة تنزل الى الميدان تراقب تدقق تحاسب تنفذ وتبادر نحتاج الى حكومة تقود بالقدوة وتبني بالانجاز لا بالكلام اذا اردنا بناء دولة حقيقية فان علينا ان نرتقي بثقافة العمل الحكومي من معالجة حالة فردية الى ايجاد حلول جماعية من وعود موسمية الى خطط وطنية مستدامة ومن قرارات فوقية الى شراكة حقيقية مع المواطن في الرؤية والتطبيق الحكومة يجب ان تكون عقل الدولة وقلبها النابض لا يدها المرتجفة واذا لم تستطع ان تنهض بمسؤولياتها فعليها ان تراجع دورها او تغادر مكانها ليأتي من يؤمن بالدولة لا بالمنصب ومن يعمل للناس لا لنفسه ومحيطه الاقرب.