الأحزاب الأردنية .. الواقع والمأمول
طارق الخرابشة
11-05-2025 11:19 AM
في ضوء ما نشهده في الأردن من جهود للتطوير والتحديث الشامل في مختلف المجالات، وما تضمنته رؤية التحديث الاقتصادي من أهداف طموحة، لا سيما على الصعيد السياسي، حيث تُعتبر الأحزاب السياسية ركيزة أساسية لهذا التحديث، يبرز تساؤل مهم حول مدى جاهزية هذه الأحزاب وقدرتها على أن تكون حقيقية، فاعلة، قائمة على برامج واقعية قابلة للتطبيق، تُعالج القضايا الوطنية وتُسهم في بناء أردن قوي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
إن المراقبين لواقع الحياة الحزبية في الأردن تساورهم تساؤلات مشروعة، يجب أن تقف عندها الأحزاب بجدية، وتُعيد تقديم نفسها أمام قواعدها ومنتسبيها والمجتمع، بالشكل الذي يليق بطموحاتنا جميعًا لمستقبل حزبي واعد.
أتحدث هنا من موقع شاب أردني يفكر جديًا في الانخراط في الحياة السياسية، متسائلًا: هل من المنطقي، في ظل الواقع الحزبي الحالي، التفكير بخوض الانتخابات القادمة ضمن القوائم الحزبية؟ وهل لذلك جدوى حقيقية؟ وهل يلبي الطموحات والتوقعات؟ وإن كان الجواب نعم، فكيف ذلك في ظل التساؤلات التالية:
-عندما قدمت الأحزاب نفسها في الانتخابات النيابية الأخيرة كأحزاب برامجيّة تحمل رؤى تعالج مشاكل وهموم المواطن الأردني، كيف تم ترجمة تلك البرامج على أرض الواقع؟ هل ناقشتها في مواقع صنع القرار؟ أم بقيت مجرد شعارات وحبر على ورق؟.
-هل تقيس الأحزاب أثرها وتأثيرها الحقيقي في المجتمع؟ وهل لديها مؤشرات علمية لقياس زيادة عدد منتسبيها، قائمة على استقطاب الأعضاء بناءً على البرامج والأفكار، وليس على "نظام الفزعة" أو الارتباطات الشخصية؟.
-هل تمتلك الأحزاب خططًا واضحة للاستمرار في التفاعل مع القضايا الوطنية؟ وهل تواصلت مع المواطنين في مختلف أنحاء المملكة، أم أن نشاطها يقتصر فقط على فترة ما قبل الانتخابات؟.
-ما الدور الذي لعبته الأحزاب في دعم الرواية الأردنية إقليميًا؟ خاصة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وفي التصدي لمحاولات تحريف موقف الأردن وقيادته، كما حدث بعد لقاء جلالة الملك بالرئيس الأمريكي ترامب. كنا ننتظر مواقف حزبية أقوى من مجرد بيانات مكتوبة. ماذا لو سخّرت الأحزاب أدواتها الإعلامية في مواجهة التضليل كما سخّرتها خلال حملاتها الانتخابية؟.
-ما موقف الأحزاب من حملات التشكيك التي تستهدف مؤسساتنا الوطنية؟ كالهجوم المنظم على الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية وجهودها في غزة. هل لدى الأحزاب خطة إعلامية وسياسية لحماية مؤسسات الوطن من التشويه الممنهج؟.
-هل تملك الأحزاب، وخاصة الممثلة في مجلس النواب، القدرة على طرح خطط عمل زمنية واضحة بأهداف قابلة للقياس؟ وهل تتابع تنفيذ هذه الخطط من خلال أدوات الرقابة على الحكومة؟.
-كيف تتعامل الأحزاب مع الفروقات الاقتصادية بين من يرغبون في تمثيلها؟ هل ما زالت الممارسات التي شاهدناها في الانتخابات الماضية قائمة، حيث يتم حجز المقاعد الأولى في القوائم لمن يستطيع الدفع فقط، بغض النظر عن الكفاءة والمؤهلات الفكرية؟
-هل لدى الأحزاب الجدية الكافية لتطبيق توجهات جلالة الملك وولي عهده في تمكين الشباب والمرأة؟ وهل وضعت خططًا قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لإعداد هذه الفئات للقيادة؟ أم أن الصورة النمطية لحزب الشخص الواحد والتمويل الشخصي لا تزال تهيمن؟.
-هل تستطيع الأحزاب أن تكون حاضرة في الشارع الأردني من خلال كوادرها؟ وهل تملك الأدوات التنظيمية والفكرية لتكون قادرة على كسر الصورة المكرسة بأن حزبًا واحدًا فقط يملك الشارع والتنظيم؟.
إن نجاح التجربة الحزبية في الأردن يتطلب من الأحزاب إعادة تشكيل نفسها بجدية، والعمل على نشر الثقافة الحزبية بين فئات المجتمع، خصوصًا الشباب، من خلال الانفتاح على مؤسسات الدولة المعنية بالعمل الشبابي، والجامعات والمدارس، وتخصيص جزء من موازناتها لتنفيذ برامج غير تقليدية وذات أثر ملموس في هذا المجال.
من هنا تبدأ فكرة التحول نحو حياة حزبية حقيقية، تُبنى عليها كل تطلعاتنا نحو تطوير وتحسين واقع العمل السياسي في الأردن.