الجزء الاول

تُعدّ فكرة "الشرق الأوسط الجديد" من المفاهيم الجيوسياسية الحديثة نسبيًا ، ورغم أن المصطلح اكتسب زخماً كبيراً بعد التسعينات، فإن جذوره الفكرية تعود إلى منتصف القرن العشرين، حين بدأ الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، بالتفكير بمنطقة الشرق الأوسط ككيان سياسي واستراتيجي موحد، وقد ظهر مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" كأحد أبرز مشاريع إعادة تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمنطقة ، خصوصًا بعد نهاية الحرب الباردة ، وقد لعبت إسرائيل دورًا محوريًا ليس فقط في تبني المصطلح ولكن أيضًا في محاولة هندسة واقع جديد يخدم مصالحها الاستراتيجية بالتعاون مع قوى غربية كبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن أهم محطات فكرة الشرق الاوسط الجديد المبكرة : اتفاقية سايكس-بيكو 1916: شكلت أول تقسيم رسمي لمناطق النفوذ، - خطاب الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون (1918): دعا إلى "حق تقرير المصير"، لكنه طُبّق بطريقة انتقائية ، - مشاريع إعادة الهيكلة البريطانية والفرنسية للمنطقة بعد الحرب العالمية الثانية ، ومع نهاية الحرب الباردة، وتحديدًا بعد حرب الخليج الثانية (1991)، بدأت مراكز الأبحاث الأمريكية مثل مؤسسة راند RAND Corporation ومجلس العلاقات الخارجية CFR، بدراسة طرق "إعادة هيكلة" الشرق الأوسط لضمان الاستقرار الإقليمي وفق الرؤية الغربية. (Reference: RAND Corporation, The Future of the Middle East, various reports)

فترة التسعينات وبداية الألفية: ففي عام 2006، صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بمصطلح "الشرق الأوسط الجديد" أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان، مؤكدة أن التغييرات الجارية (رغم دمارها) ستؤدي إلى ولادة شرق أوسط جديد. (Source: CNN, "Rice sees 'birth pangs' of new Mideast", 2006) ، - شهدت هذه المرحلة اهتماماً أمريكياً مكثفاً بإحداث تغييرات بنيوية عبر نشر الديمقراطية، كما ظهر في مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي أطلقه الرئيس جورج بوش الابن عام 2004.

ومن اهم السمات العامة لفكرة الشرق الاوسط الجديد كما تطورت عبر الزمن ، تحرير الأسواق وزيادة التكامل الاقتصادي الإقليمي ثم تعزيز التحالفات الأمنية بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، و تشجيع الحركات الديمقراطية بطريقة انتقائية لدعم انظمة موالية للغرب .

يتبع الجزء الثاني ..

حمى الله الاردن وسدد على طريق الحق خطاه .

* النائب السابق المحامي د. بركات النمر المهيرات