الأحزاب في مجلس النواب: تجربة لم تُثمر بعد
صالح الشرّاب العبادي
19-05-2025 09:22 AM
مع انتهاء الدورة الأولى لمجلس النواب الأردني العشرين ، التي شهدت لأول مرة دخول عدد من النواب على أساس حزبي ضمن منظومة التحديث السياسي، بدأت تتصاعد تساؤلات مشروعة في الشارع الأردني حول جدوى هذا التحول: هل لمس المواطن أثرًا إيجابيًا لوجود الأحزاب في المجلس؟ وهل استطاعت الكتل الحزبية أن تُحدث فرقًا في الأداء البرلماني، سواء في الدور الرقابي أو التشريعي؟.
للأسف، فإن الانطباع العام، المدعوم بالمتابعة الدقيقة للجلسات والتفاعلات داخل قبة البرلمان، يُشير إلى أن التمثيل الحزبي حتى الآن لم يحقق الأثر المطلوب، بل خيّب آمال فئات واسعة من الأردنيين كانوا يترقبون بداية عهد جديد في العمل النيابي.
المراقب لجلسات المجلس خلال عامه الأول يلحظ بوضوح أن الأحزاب لم تقدّم أداءً مختلفًا يُميزها عن الأفراد المستقلين أو الكتل التقليدية ، بل على العكس، طغى الطابع الروتيني على الحضور الحزبي، وتراجعت الحيوية السياسية التي يُفترض أن تكون السمة الأساسية لأي عمل حزبي داخل مؤسسة تشريعية.
لم نشهد مبادرات تشريعية ذات طابع حزبي واضح، ولم تتبنَ الأحزاب مواقف موحدة في ملفات تمس حياة المواطن، كالقوانين الاقتصادية، والتشريعات المتعلقة بالحريات، أو تلك المرتبطة بالإصلاح الإداري والمؤسسي ، لقد فشل النواب الحزبيون في تقديم أنفسهم كحالة مختلفة قادرة على التأثير.
أداء رقابي ضعيف.. وتراجع في الإجراءات
على مستوى الرقابة على الحكومة، وهو أحد أهم أدوار مجلس النواب، لم تمارس الأحزاب أي ضغط جاد، ولم نلمس وجود استجوابات قوية أو مساءلات نوعية منسقة. اختفى الصوت الحزبي في اللحظات التي كان المواطن يتوقع منه الحضور القوي، وغابت المواقف الموحدة لصالح مواقف فردية لا تعبر عن نضج حزبي أو تماسك تنظيمي.
بل إن ما لُوحظ هو تراجع في مستوى الالتزام بالحضور والنصاب، وفي جدية التعامل مع مشاريع القوانين، حيث مرّت جلسات دون اكتمال النصاب، أو بنقاشات سطحية لا تليق بقانون يمس حياة الناس.
خذلان في الشارع.. وانعدام الثقة
ربما كانت الفجوة الأوضح هي تلك التي اتسعت بين المواطنين والمجلس، حتى بات الحديث عن “خذلان شعبي” يتردد في المجالس العامة ووسائل التواصل الاجتماعي ، المواطن الأردني الذي راهن على التجربة الحزبية كمفتاح للتغيير، خرج بانطباع أن ما جرى لم يكن سوى “تجريب في الوقت الضائع”.
لم تُحدث الأحزاب تغييرًا في القناعات الشعبية تجاه المؤسسة التشريعية، ولم تضف للمشهد السياسي إلا مزيدًا من الإرباك ، وبات المواطن يطرح السؤال بصراحة: إذا لم تستطع الأحزاب النيابية أن تُحدث فرقًا، فلماذا نراهن عليها أصلاً؟
أحزاب الدولة.. هل كانت على قدر المسؤولية؟
الكثير من الأحزاب التي دخلت المجلس وُصفت بأنها “أحزاب الدولة”، أي أنها نتاج لتشجيع رسمي ومؤسسي ضمن مشروع التحديث السياسي ، غير أن هذه الأحزاب، بدلاً من أن تشكل ذراعًا إصلاحية فاعلة، اكتفت بلعب أدوار باهتة ، لم تكن لديها شجاعة المبادرة، ولا وضوح الرؤية، ولا حتى القدرة على فرض وجودها السياسي داخل البرلمان.
كان المتوقع أن تقوم هذه الأحزاب بتقديم خطاب سياسي مختلف، وتفتح أبوابًا جديدة للحوار مع المواطن، وتعمل على ترسيخ حضورها كفاعل سياسي مسؤول ، إلا أن الواقع أظهر أن الكثير منها لم يتجاوز مرحلة التأسيس النظري، وأنها لا تزال بعيدة عن ممارسة العمل السياسي الحقيقي.
لا بد من وقفة تقييم
اليوم، ومع انتهاء الدورة الأولى للمجلس، لا بد من وقفة تقييم شاملة، ليس فقط من الأحزاب، بل من الدولة والمجتمع أيضًا ، فإذا كان الهدف من التحول الحزبي هو بناء حياة سياسية ناضجة، فإن ما حدث في المجلس لا يحقق هذا الهدف.
المطلوب في المرحلة القادمة أن تُعيد الأحزاب بناء ذاتها على أسس فكرية وتنظيمية صلبة، وأن تقدم للناس مشروعًا حقيقيًا يرتبط بمعاناتهم وتطلعاتهم، لا أن تكون مجرد واجهة سياسية خالية من الروح والمضمون.
إن مستقبل العمل النيابي الحزبي في الأردن مرهون بالجرأة، والموقف، والانحياز الصريح لهموم الناس، لا بمجرد التمثيل العددي أو الشعارات العامة ، ولعل الفرصة ما زالت قائمة، لكنها لن تنتظر طويلًا.