العنف .. رصاصة تفتك بالقلوب قبل الأجساد
آيات أبو طعيمة
21-05-2025 01:15 PM
في زحام الحياة، وبين صراعاتها اليومية، ننسى أحيانًا أن أعظم القوّة تكمن في الرّحمةِ، لا في القسوةِ، وفي الحوارِ لا في الصراخ، وفي الرفقِ لا في البطشِ والضّرب.
فالعنف، بكل أشكاله، لا يصنع إلا الدّمار. فهو كالرصاصة القاتلة، إذا اخترقت الجسد أنهكته، وإذا استوطنت الرّوح دمّرتها، ولا تخرج إلا بعد أن تترك وراءها خسائر فادحةً لا تُعوض.
العنفُ ليسَ وسيلةً للدفاعِ عن النفسِ، ولا وسيلة لإبرازِ قوةِ الشخصية. بل هو ضعف مقنّع في ثوب القوة، وهو خوف بعد اطمئنان، وحزن بعد فرح، وأرقٌ بعد راحة.
العنف بدايةَ رحلةٍ طويلة من الآلم النفسي والإجتماعي، بدايةً للتنمر، للتهميش، ولِخَلْقِ جيل مهزوز تائه لا يعرفُ كيف يواجه الحياة بصعوبتها.
العنف يُولّد الكراهية، ويزرع الحقد، ويقضي على الثقةِ بالنفسِ.يزرع الذل والإهانة، يزرع العجزَ والسكون، فأسوأ ما في العنفِ أنه لا يُرى دائمًا بالعين؛ فهناك عنف جسديّ يترك كَدمات بإظهار قوة البدن لإيذاء الغير بطريقةٍ همجيّةٍ، لكنّ الأشد إيلامً ووجعًا هو العنف النفسيّ واللفظيّ الذي يتركُ ندوبًا في الروح لا تُشفى بسهولة وتبقى آثارها على المدى البعيد.
الكلمات الجارحة ، الشّتم بأرذل الألفاظ ،الإهانات، والاستهزاء قد تكون أقسى من الضرب، وأشد وقعًا على النفس.
ومن أكثر أشكال العنف ظُلمًا هو العنف ضدّ الأطفال، أولئك الذين وصَفهم الله في كتابهِ الكريم بأنهم "زينة الحياة الدنيا". هم ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم مهما بلغت قوتِهم، فهم ضلعٌ قاصر ليس لديهم القوة الكافيّة على مواجهة هذا الصَخَب.
فهم الأمل الذي سيحمل المستقبل. فكيف لنا أن نكسِرَهم ونحطمهُم، ونزرع فيهم الخوف بدل الحب، والصمت بدل التعبير؟
العنف لا يُصلح السلوك، بلْ يُفسده. لا يُرَّبي ويُؤدب، بل يهدم. هناك أساليب تربوية وإنسانية فعّالة للتعامل مع أخطاء الأطفال دون أن ندمّرَ أرواحهُم.
قال تعالى:
"خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"
[الأعراف: 199]
في هذا التوجيه الإلهي دعوة صريحة للحِلمِ، والتسامح، والتعامل بالحسنى مع من حولنا..
لنتأمل قليلًا…
الحياة قصيرة مهما طالت.
القلوب تُزهِر بِمَنْ احتواها، لا بِمَنْ جرحها
كلّنا في النهاية مجرد ذكرى… فلنحرصْ أن نكون ذكرى جميلة في قلوبِ من حولِنا
فليكنْ هدفنا أن نعيش بسلامٍ، نحلّ مشاكلنا بالحوار، ونبني مجتمعًا يسوده الحب والرحمة، لا الخوف والعنف.
ولنتذكّر دائمًا أن ما نزرعهُ في نفوسِ أطفالنا اليوم، سنحصدهُ في ملامحهِم وسلوكهِم غدًا .
عيشوا أجمل اللحظات في هذه الحياة فنحنُ نعيشها مرةً واحدةً لا رجوع لها.