facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الهندسة واستقلال الأردن: من الحلم إلى الواقع


د. أسيد مطر
22-05-2025 04:54 PM

* بأيدي الشباب نُكمل المسيرة

في الخامس والعشرين من أيار من كل عام، يتجدد في قلب كل أردني شعور عميق بالفخر والانتماء. إنه يوم ليس كسائر الأيام، يومٌ استعاد فيه الأردنيون قرارهم الوطني الحر، وانطلقت فيه مسيرة بناء دولة ذات سيادة وهوية وكرامة. لم يكن الاستقلال مجرد لحظة تاريخية، بل كان بداية لعهد جديد يقوم على الإرادة والعمل والعلم، حيث لم تعد السيادة مجرد شعار، بل أصبحت مسؤولية تُمارس على الأرض، بكل ما تحمله من تحديات وطموحات.

ومنذ اللحظات الأولى، كانت الهندسة هي الأداة التي حوّلت الحلم إلى واقع. فهي التي رسمت ملامح الدولة الحديثة، وامتدت لتربط المدن والقرى، وتبني الجسور فوق الوديان، وتشيّد السدود التي تحفظ مياه الحياة. كان المهندس الأردني أكثر من مجرد منفّذ لتصاميم، بل كان شريكًا في الحلم الوطني، يحمل بين يديه أدوات التغيير، وفي قلبه رؤية وطن لا يعرف المستحيل.

وفي تلك العقود المبكرة، انطلق المهندسون الأردنيون إلى الميدان بسلاح العلم والانتماء، مدفوعين برغبة حقيقية في البناء وخدمة الوطن. مشاريع البنية التحتية، المدارس، المستشفيات، المصانع، وكل زاوية من زوايا العمران الأردني، حملت بصمات أيديهم. ولم يقف طموحهم عند حدود الأردن، بل امتد حضورهم الهندسي إلى العالم العربي والدولي، فأصبح المهندس الأردني مرادفًا للخبرة والكفاءة والالتزام.

الهندسة لم تكن فقط وسيلة للبناء، بل تحوّلت إلى أداة تعزز من استقلال القرار الوطني. فعندما نرى المشاريع الريادية والمبتكرة في مجالات الطاقة والمياه والإسكان وتخطيط المدن، إلى جانب المشاريع العامة الأخرى مثل البنية التحتية، والمرافق الصناعية، والتنمية العمرانية، ندرك أن ما نُفذ على أرض الواقع هو نتاج قاعدة هندسية وطنية متينة، قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتنفيذ المشاريع الكبرى بكفاءة واقتدار، دون اعتماد خارجي.
لقد أصبحت الهندسة رمزًا من رموز السيادة، ومؤشرًا على مدى قدرة الدولة على تحقيق تطلعاتها بإرادتها المستقلة.

ومع تطور الدولة وتوسع التكنولوجيا، دخلت الهندسة الأردنية مرحلة جديدة من الإبداع والابتكار، يقودها شباب مسلّحون بالمعرفة وروح الريادة.
في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، بدأت تظهر مبادرات مبهرة، كمشاريع أنظمة مراقبة ذكية للبنية التحتية، وتطبيقات لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في المباني، ومنصات هندسية تعتمد على البيانات الضخمة لتحليل حركة المرور أو إدارة المياه، وغيرها الكثير.

نشهد اليوم شركات ناشئة أردنية في مجال التكنولوجيا العميقة، يقودها مهندسون شباب، تعمل على حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين القطاع الطبي أو مراقبة التغير المناخي. وقد أطلقت بعض الجامعات بالتعاون مع مؤسسات خاصة مختبرات ابتكار هندسي مفتوحة، تتيح للطلبة تطوير نماذج أولية لمشاريع ريادية، بدعم من خبراء في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

ولأن بناء الكفاءة لا يتوقف عند الجانب التقني، فإن من واجبنا أيضًا أن نعمل على صقل شخصية الشباب وتأهيلهم نفسيًا وفكريا ومهنيًا. المهارات الناعمة أصبحت اليوم عنصرًا حاسمًا في سوق العمل، وهي التي تميز القائد عن المنفّذ، والمبادر عن المتردد. فالشاب الأردني يحتاج إلى أدوات تعزز من قدرته على التواصل، وتحفز لديه التفكير النقدي، وتمكّنه من العمل الجماعي، وتُكسبه وعيًا عاطفيًا عاليًا، يساعده على التفاعل الإنساني الفعّال، واتخاذ القرارات بثقة ومسؤولية.

وفي كل زاوية من الوطن، تجد شبابًا يعملون بصمت، يخططون، يبتكرون، ويبنون. تراهم في المصانع، في الورش، في الشركات الناشئة، وفي المراكز البحثية، وحتى في المكاتب الاستشارية. هم جنود المرحلة الجديدة، يحملون مشعل الاستقلال من جيل الرواد، ويقودوننا نحو مستقبل أكثر إشراقًا. وما من استقلال حقيقي دون أن يُترجم إلى فرص واضحة، ومساحات مفتوحة لهؤلاء الشباب، ليكونوا شركاء في القرار، لا متفرجين على نتائجه.

إننا اليوم لا نحتفل فقط بالماضي، بل نبني للمستقبل. والهندسة، بما تحمله من علم ومنهجية ورؤية، ستظل في قلب مشروع الدولة الأردنية الحديثة. هي الوسيلة، وهي الرسالة، وهي الجسر الذي يربط الطموح بالإنجاز.

ولأن كل مهندس شاب اليوم هو مشروع قائد للغد، فإن كل مشروع يُبنى بأيادٍ أردنية هو شهادة على أن الاستقلال مستمر، وأن الأردن ماضٍ في طريقه، لا يعرف التراجع، ولا يرضى بأقل من التميز.

حفظ الله الأردن، قيادةً وشعبًا، وأدام عليه نعمة الاستقلال، ووفّر لشبابه الفرص التي يستحقونها، وبارك في عقول وسواعد مهندسيه، ليظل وطننا كما كان دومًا: شامخًا، حرًا، معطاءً، لا تزيده التحديات إلا قوة وثباتًا.

وفي هذه المناسبة الوطنية العزيزة، أتقدم بأسمى آيات التهنئة والتبريك إلى حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، وإلى سمو ولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، وإلى الأسرة الهاشمية الكريمة، داعيًا الله العلي القدير أن يديم عليهم نعمة الصحة والعز، وأن يحفظهم ذخراً وسندًا لهذا الوطن العزيز، وأن يظل الأردن، بقيادتهم الحكيمة، نموذجًا في التقدم والاعتدال والعطاء.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :