facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أبي .. سراجُ السلطِ الذي انطفأ


د. ثابت النابلسي
26-05-2025 10:12 PM

"لم يكن أبي شخصًا عاديًا، بل كان وطنًا يسير على قدمين، يعلّمني كل يوم كيف أكون إنسانًا."


كان يُشبه السلط... شامخًا كجبالها، نقيًّا كصباحها، كريمًا كأرضها.

غادر أبو ثابت منابر المساجد والجمعيات الخيرية في مدينته السلط، غادر الأرض في وادي السلط، غادر بستان الوادي وعصافير الصباح، غادر الجذر وبقيت الأغصان تنتظر مروره عليها.

غادرنا من علّمني حب الوطن، وسلامٌ على من أحبَّ السلط ورحل. سلامٌ على من كان يشبه السلط في هيبتها، ويمشي في أسواقها متفقدًا التاريخ وعبق الأجداد المتجذر فيها.

كم كنتُ أخشى أن أكتب عن أبي، حبًّا أو فخرًا، كي لا يقرأني ويظنّ أنني أودّعه.
وداعًا أبا ثابت، أيها الشامخ كجبال السلط، الشاهد على التاريخ، صانعُه وراوي حكاياته، كنتَ تكتب في سماء الوطن كل حروف المجد والكرامة.
كان يحب أن يسرد قصص الأمم، وأن يزرع فينا روح التفاؤل والنهوض، رغم كل المحن.

أبي، حسان عبد اللطيف الفياض النابلسي، ابن السلط وعاشق أرضها، تلك الأرض التي خُضبت بدم والده الشهيد. كان التعليم عنده رسالة، والزراعة عبادة، والعطاء سعادة لا يُرجى منها إلا وجه الله.

هذا هو أبي، مُلهمي ودافعي، من كان يردد عليّ دومًا: "لا تنظر خلفك، امضِ، ولا تفكر إلا في تحقيق النجاح".
كلماته كانت وقودًا لمسيرتي في الحياة، حملتني من بلد إلى بلد، ومن حلم إلى إنجاز، أعود إليه كل مرة محمّلًا بقصص النجاح، أراها تُضيء وجهه بدمعة فخر وبريق رضا، ينفذان إلى قلبي، فيمنحاني طاقة لأحلم أكثر.

في حياة الحاج حسان، قصصٌ لا تُعد ولا تُحصى، عرفها القريب والبعيد.
كان سبّاقًا إلى فعل الخير، يسعى في حوائج الناس، ويبذل دون ضجيج، لله وحده.
أنا محظوظ، بل محظوظ جدًا، أنني ابنه، أفخر به في الدنيا، وأدعوه في الآخرة أن يكون لي شفيعًا.

هاتفه كان مكتظًا بأسماء المحتاجين والمساكين، كثيرٌ منهم لا نعرفهم، لكنهم عرفوه، وعرفوا قلبه الكبير.
لم يكن هناك أجمل من صوته وهو يوزع المعونات، تارة يرفعه، وتارة يخفضه بخشوع... كم هو جميل هذا الصوت، وكم هي نبيلة رسالته.

صراعك مع المرض، يا أبي، كان ملحمة من الصبر والعزيمة. أربعة عشر عامًا وأنت تواجه السرطان، وتتمسك بالحياة؛ لا من أجل نفسك، بل من أجل رسالتك.

كنت تقول بعد كل زيارة للمستشفى: "الحمد لله، أنا أفضل حالًا من غيري"، وكان الأمل يتجدد فينا بكلماتك.
 اما غرائب القدر يا ابا ثابت…
أراد الله أن أولد وأنت في سلطنة عُمان، تعمل وتغيب لأجل رزقنا، فحضرتُ إلى الدنيا وأنت بعيد، ثم شاءت مشيئة الله أن ترحل وأنت في السلط، وأنا بعيد في سلطنة عُمان مجددًا، أبحث عن الرزق كما كنت تفعل.
رحلتَ وتركت لنا رسالة مصوّرة تقول فيها:
"نشوفكم بخير إن شاء ربنا سبحانه وتعالى يهديكم الأمر بالخير ومحبة رسول الله."
ما أعذب هذه الكلمات، وما أصدق هذا القلب.

في حضن السلط، نام أبي، وفي ترابها احتضنته الأرض التي عشقها وعاش من أجلها.
رحم الله أبا ثابت، وأسكنه فسيح جناته.
سيبقى طيف كلماتك، وروحك الطاهرة، منارةً للأمل ومصدرًا للإلهام.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

ولدك المخلص
د. ثابت حسان النابلسي





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :