facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التمكين في الحماية الاجتماعية: حين يُختزل في قسطٍ وفائدة


م. عامر البشير
27-05-2025 08:11 AM

وقفة تأمل في الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية (2019–2025)

حين يتحوّل التمكين إلى قرضٍ صغير، والإنسان إلى رقم في جدول، لا نكون أمام سياسة، بل أمام خلل في الفهم... في الفلسفة... وفي الضمير.
ليست هذه الكلمات ردًا على مسؤول، ولا استهدافًا لوثيقة، بل هي نداء لاستعادة ما ضاع بين السطور: كرامة الإنسان.

في بلدٍ لا يشكو من نقص في الخطط، بقدر ما يئنّ من غياب الأثر، نكتب لا لنضيف ورقةً إلى رف مكتظ، بل لنسأل ما طُمِس تحت الرسوم البيانية والمصطلحات المستوردة:
لمن نُخطّط؟ ومن يُحاسَب حين لا يُثمر هذا التخطيط؟.

بين لغو الأرقام، ووجوه من الغور والبادية والمخيّم، تتسع هوّة لا تُردم بإحصاءات، ولا تبرّرها "العروض الترويجية".

هناك، حيث يُعاش الألم لا يُقاس، يتجلّى الفرق الفادح بين تمكينٍ حقيقي وتمكينٍ مرهونٍ بشروط تمويل.
بين مواطنةٍ فاعلة… واسمٍ يُحدَّد استحقاقه بخوارزمية.

هذه المقالة ليست تحليلًا فنيًا، بل محاولة صادقة لوضع المرآة في وجه التخطيط حين يغيب عنه الضمير.
لنسأل:
أليس للناس الحق في المطالبة بالكرامة… لا بالمساعدة المشروطة فقط؟.

في عالمٍ تحوّل فيه التخطيط إلى طقسٍ يحتفي باللون والرمز، ويخشى النقد، لم يعد التوقّف في منتصف الطريق للتقييم لا ترفًا فكريًا، بل ضرورة أخلاقية.

فهل تقدمنا فعلًا؟
أم لا نزال نعدّ الخطى دون أن نخطوها فعليًا، ونتفنّن في ترتيب العتبات دون أن نبلغ العتبة الأولى؟
لسنا في مقام الرثاء، ولا نكتب بحنينٍ أعمى، بل نطرح سؤالًا بسيطًا وصعبًا في آنٍ معًا:
ماذا تحقق؟
ما لم يُواجَه، لا يُصلَح.
وما لم يُراجع، لا يتحوّل إلى تجربةٍ قابلة للتكرار… بل إلى خطأٍ مكرّر.
الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية مضت دون أن يُعاد النظر فيها.
لا جرى تقييمٌ حقيقي، ولا مساءلةٌ علنية، ولا مكاشفة مع الشعب.
كأنها كُتبت لتُعلّق… لا لتُنفَّذ.

خارطة طريق بدون أرضيّة… ووثيقة بلا روح
حين أُطلقت الاستراتيجية في أيار 2019 بعنوان "خارطة طريق لتمكين المواطن الأردني"، بدت الخطوة واعدة.
لكن ما خُطَّ بين دفتيها جاء هشًّا، يفتقر إلى عمق الرؤية ومرجعية الدستور.
لا ذكر للمادتين السادسة والسابعة، لا حضور فعليًّا لكلمات كالعدالة والمساواة والكرامة…
كأن هذه المفاهيم تُعدّ ترفًا أمام مصطلحات مثل "التمويل"، و"الاشتراط"، و"الكفاءة".

المواطن، في هذه الرؤية، لم يكن إنسانًا له حقوق… بل حالة إحصائية، تُعالَج بالنماذج، وتُفهرَس في نظام استهداف متعدد الأبعاد، تستورد وصفتها من الخارج ويغفل عن نبض الداخل.

حين يصبح التمكين عبئًا
في الغور، تهمس أمٌّ بحسرة:
"بنتي مريضة… لا الضمان الاجتماعي قبلنا، ولا صندوق المعونة انصفنا، شو نعمل؟"
في عام 2021، أقرت وزارة التنمية ذاتها بضعف التنسيق المؤسسي… لكن الحقيقة أعمق من ضعف إداري.

إنه فشلٌ في الرؤية.
فشلٌ في التأسيس على الواقع لا على الفرضيات.
فشلٌ في سماع الناس لا في تصنيفهم.
نموذج الاستهداف، بـ57 مؤشرًا صُمِّم بالتعاون مع البنك الدولي، بدا في ظاهره تطورًا تقنيًا،
لكنه في الواقع تحوّل إلى ماكينة بيروقراطية تقيس الاحتياج… دون أن تلمسه.

الناس باتوا أرقامًا.
الحقوق تحوّلت إلى احتمالات.
والألم أُدرج في خانةٍ رقمية باردة.

قرضٌ يُثقل… لا يُنهض
عُدنا إلى التمويل الصغير باعتباره "فرصة".
لكن الحقيقة، وفق الأرقام الرسمية:
• 48% من المقترضين تخلّفوا عن السداد (2022).
• 72% شعروا بأن القرض عبء لا فرصة (2023).
فهل يُبنى التمكين على الدين؟
وهل تُستعاد الكرامة بإشعار تقصير؟

استراتيجية كُتبت باسم الشعب… دون أن تمرّ به
كل ما قيل عن "الشراكة المجتمعية" بقي حبرًا على ورق.
لم تُعرض الاستراتيجية على المجالس المحلية، ولا على النقابات، ولا على المجتمع المدني.
غابت مشاركة الناس في صياغة ما يُفترض أنه يُعنى بحياتهم.
النتيجة: مواطن مغيَّب عن التقييم… وعن القرار.
وبدل أن يكون شريكًا، أصبح هدفًا رقميًا.

لأن المرآة لا تكذب
نحن لسنا ضد الخطط، بل ضد الخطط التي تخشى النظر إلى المرآة.
ضد تلك التي ترى في الإنسان رقمًا، وفي الكرامة "بيان صرف".
نرفض أن تتحوّل الحماية إلى صدقة.
أن تُختصر المواطنة في خانة استحقاق.
أن تُدار العدالة بأرقام… لا بأحلام الناس.
ونطالب:
• باستراتيجية تنطلق من الدستور… لا من جداول المانحين.
• بشراكة مع الشارع… لا من المنصات الالكترونية.
• بمساءلة تُقاس على الأرض… لا تُجمَّل بالألوان.

ما لم يُسأل… يبقى معلّقًا
بين 2019 و2025، صُرفت ملايين الدنانير باسم "الحماية الاجتماعية".
كثرت البرامج، وتناسلت التقارير، وتزاحمت الشعارات.
لكن السؤال الذي لم يُطرح كما ينبغي:
كم حياة تغيّرت؟
كم مواطن خرج من دائرة الاحتياج إلى أفق كرامة الاكتفاء؟
ما لم نجب عن هذا السؤال بصدق، فلن تكون هناك قيمة لأي وثيقة، مهما حسُنت صياغتها.
الخطوة غير المكتملة لا تبني مستقبلًا.
والاستراتيجية التي تخشى المحاسبة، لا تستحق إعادة التكرار.
وما لم نسأل بوضوح:
إلى أين تمضي بنا هذه الخطط؟
فإننا سنظل ندور في نفس الحلقة… وسنُضيع البوصلة مرةً أخرى.

يتبع في الحلقة الثالثة: مرايا الجوار ... دروس من مصر، المغرب، تونس ولبنان

يُعبّر هذا المقال عن وجهة نظر كاتبه في إطار حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور الأردني في المادة (15)، ويهدف إلى تقديم قراءة تحليلية لسياسات عامة تمس حياة المواطنين. لا يحتوي المقال على إساءة شخصية أو ذم أو قدح بأي فرد أو جهة، بل يتناول بالنقد والتحليل أداءً حكوميًا معلنًا، من منطلق المصلحة الوطنية والسعي لتحسين فعالية السياسات الاجتماعية وتعزيز العدالة. إنّ ما ورد في هذا النص يُعد مساهمة فكرية في النقاش العام، ويخضع لحماية حرية التعبير المكفولة بموجب القانون والدستور.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :