هل أصبحت الأمم المتحدة هيكلًا أمميًا للدول الضعيفة؟
صالح الشرّاب العبادي
28-05-2025 10:39 AM
في عام 1945، خرجت البشرية من أتون حربين عالميتين داميتين لتؤسس هيئة الأمم المتحدة، أملاً في نظام دولي قائم على حفظ الأمن والسلم العالميين، وتحقيق العدالة، ومنع الحروب، وبناء منظومة إنسانية تتشارك فيها الدول مسؤولية الحفاظ على الكرامة الإنسانية. لكن هذا الحلم الذي بزغ من رماد الحروب، بات اليوم يترنح على أعتاب الواقع القاسي، حتى كاد يفقد كل معانيه.
في بدايات عهدها، كانت قرارات الأمم المتحدة ذات ثقل، وكانت الدول تتسابق للانضمام إلى مظلتها، وتتنافس للتمثيل في مؤسساتها ، أما اليوم، فقد أصبحت هيئةً تصدر قراراتها ولا تجد طريقًا للتنفيذ، وتُرفع فيها التقارير ولا تُحرّك ساكنًا، وتُنتهك فيها المبادئ التي قامت عليها دون أن يرفّ لها جفن.
ازدواجية المعايير: فيتو يحكم العالم
منذ عقود، بات واضحًا أن مجلس الأمن ( القلب النابض للمنظمة ) يخضع لهيمنة الدول الخمس دائمة العضوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، هذه الدول لا تمارس دورًا في حفظ التوازن فحسب، بل تستخدم حق نقض القرارات ( الفيتو) كسيف مسلط لتعطيل العدالة، وحماية الحلفاء، وفرض الإرادة ، أصبح الفيتو الأمريكي درعًا واقيًا لإسرائيل، وبندقية مصوبة نحو صدور المظلومين في فلسطين، وسيفًا يقطع الطريق على كل قرار يدين الاحتلال، مهما بلغت فظاعته.
غزة: العدوان الذي هشّم ما تبقى من المهابة
منذ السابع من أكتوبر 2023، والعالم يتابع بذهول وألم ، حرب إبادة تُرتكب بحق المدنيين في غزة ، مئات القرارات، البيانات، النداءات، والتقارير الأممية التي توثق الجرائم وتطالب بوقف العدوان، كلها ذهبت أدراج الرياح ، لقد هشّمت إسرائيل ما تبقى من هيبة الأمم المتحدة، وامتهنت موظفيها، وقصفت مقارها، وسحقت “الأونروا” في صورة تعكس احتقارًا مطلقًا للقانون الدولي.
ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، بل امتدت إلى تقويض الدور الأممي في توزيع المساعدات، حيث بات واضحًا وجود خطة أمريكية – إسرائيلية لتجاوز وكالات الأمم المتحدة، واستبدالها بآليات بديلة خاضعة للتحكم الكامل، مما يشير إلى مخطط لشلّ العمل الإنساني الأممي.
المحكمة الجنائية.. صدى بلا أثر
حتى المحكمة الجنائية الدولية، التي يُفترض أن تكون ملاذ العدالة الأخيرة، أظهرت هشاشتها ، تصدر مذكرات اعتقال، وتحذر من ارتكاب جرائم، ولكن لا أحد يستجيب ، قراراتها لا تُنفذ إلا إذا سمحت بها القوى الكبرى، مما يجعلنا نسأل: هل القانون الدولي حيادٌ انتقائي؟ أم هو مجرد غطاء سياسي للقرارات الغربية؟
منظمة خارج الزمن؟
في مناطق الصراع الساخنة – سواء في فلسطين، السودان، أو أوكرانيا – أصبحت القرارات المصيرية تُصاغ خارج قبة مجلس الأمن. المفاوضات تتم عبر وسطاء إقليميين أو بتحالفات ثنائية، وتُدار الأزمات عبر صفقات خاصة، دون أي التفات إلى الأمم المتحدة أو مؤسساتها.
ما نشهده اليوم هو تفكيك صامت للنظام الدولي القائم منذ الحرب العالمية الثانية، وقيام نظام جديد، تُحكم فيه القضايا بالمال والنفوذ، لا بالشرعية ولا بالقانون.
هل انتهى دور الأمم المتحدة؟
ربما لم تنتهِ رسميًا، لكنها تحولت فعليًا إلى هيئة رمزية، يُلجأ إليها فقط لإعطاء شرعية شكلية لقرارات صُنعت في غرف مغلقة ، باتت تُستخدم كسلاح سياسي من قبل الكبار، وسقفًا زجاجيًا للدول الضعيفة ، لم تعد الأمم المتحدة بيت العدالة، بل صارت أشبه بـ”الهيكل الدولي للدول العاجزة”.
ومع ذلك.. لا يمكن أن نقلل من أهمية بعض أذرع الأمم المتحدة، مثل “اليونيسيف” و”برنامج الغذاء العالمي” و”الأونروا”، التي لا تزال تقدم خدمات حيوية للملايين، رغم كل العقبات ، لكن هذه الأذرع نفسها باتت مستهدفة، ومهددة بالتجفيف والتشكيك في نزاهتها، كما يحدث الآن مع الأونروا.
نعم، لقد أصيبت الأمم المتحدة بالشيخوخة، وتآكلت سلطتها، وتراجعت فعاليتها، لكن الأمل لم يمت ، تبقى الحاجة قائمة لإصلاح جوهري وشامل في بنية النظام الدولي، يعيد للأمم المتحدة دورها كحامية للضعفاء، لا خادمة للأقوياء ، وإلى أن يحدث ذلك، ستبقى قراراتها أصواتًا في الفراغ… لا تُسمع إلا إذا أراد الكبار أن تُسمع.