قرأت مقال الدكتور عبدالله الكيلاني في موقع عمون .
يقول كاتب المقال : تترسخ قناعة عميقة لدى العديد من القيادات السياسية والأمنية بأن هذا البلد يحظى [ برعاية إلهية خاصة وأن الله يهيئه لدور محوري في نصرة دينه وأمته ] .
التعليق : كون المقال مفتوح للقراءة فمن حق القارئ أن يوجه النقد لهذا المقال دون التعريض لشخص الكاتب كونه غير معروف للعامة ..
المقال يدعي أن القيادات السياسية والأمنية وغير المعروفة لدينا بأسمائها وأعيانها بأن لديها قناعة راسخة بأن الله تعالى منح الأردن رعاية خاصة برعايته الأردن . والسؤال للقيادات السياسية والأمنية عبر كاتب المقال . هل الله تعالى المنزّه بجلاله يتدخل في توزيع الرعاية على الجغرافيا وهل توزيع الرعاية على الجغرافية يندرج فيه رعاية عامة حتى تكون فيه رعاية خاصة ؟ وهل اطلعت القيادات السياسية والأمنية على "محاور التهيئة الإلهية التي يعدها الله للأردن ليكون له دور محوري؟ وهل أطْلَعَ الله تعالى القيادات السياسية والأمنية على استراتيجيته في البعد الجغرافي لنصرة دينه وأمته ؟ وهل حقا أن الله تعالى هو الذي تولى نصرة الدين والأمة .. أم أن الله تعالى هو الذي كلف الأمة بنصرة دينه ؟.
ما علينا .. كون كلام كاتب المقال مخصوص للقيادات السياسية والأمنية .. ما يعنينا في هذا المقال هو " الخطر القاتل" القاتل عقديا وفكريا وثقافيا وهو استشهاد الكاتب بحديث الرسول من سلسلة أحاديث آخر الزمان لقتال الظالمين : " أنتم شرقي النهر وهم غربيه " . والسؤال هنا للكاتب: هل تعتقد حقا أن زعران الحركة الاحتلالية في فلسطين وأن الكيان الذي أنشأه لهم وعد بلفور عام ١٩١٧ م بموجب تشكل النظام الدولي الأول ما بعد الحرب العالمية الأولى .. هل تعتقد أن هذه الحثالة هي المشار إليها في حديث النبي ؟ وهل سلسلة أحاديث آخر الزمان التي تتحدث عن الغيبيات هي مصدر تشريع مع أن النبي يقول عن نفسه في سورة الانعام 50 : " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا اقول إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى إليّ " وكذلك كما ورد في سورة الأعراف 88 : " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ماشاء الله ولوكنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء " .
لا أدري لماذا هذا الإقحام الاعتباطي للدين بالسياسة .
فقط للتنويه المبني على قراءة المعادلات السياسية : أن كيان الاحتلال لا يمثل الإيديولوجيا التوراتية اليهودية وان هذا الكيان الذي أنشئ على أرض فلسطين تم إنشاؤه وفق معادلة صراعية دولية أساسها وعد بشري وليس وعدا إلهيا . وأن الأردن الدولة المعاصرة أنشئت بموجب الحركة الوطنية الأردنية النضالية وليس بموجب وعد إلهي حتى تكون كما يزعم الكاتب جبهة لقتال الظالمين . مع أن الكاتب لم يحدد من هم الظالمون حقا !!! ..
الخطورة في هذا المقال تكمن في أن الكاتب يحاول أن يملأ الفراغ بذات الفراغ الذي سبقته إليه حركة الإخوان المسلمين من الغيبيات المنفصلة عن الواقع عندما زعموا : أن الأردن أرض الحشد والرباط . ليس تعظيما للأردن بقدر ما كان زعمهم يوجه بوصلته الحاقدة لإلغاء الأردن وإلغاء الدولة والقفز عن الوطن من خلال التعامل معه على أنه جبهة صراع بين أيديولجيات شوهتها الأساطير والخزعبلات .
يا عبدالله ، الأردن ليس جبهة لقتال الظالمين . الأردن دولة ووطن للأردنيين . والأردنيون معنيون بإعمار هذه الأرض التي استخلفهم الله بها كما استخلف الذين من قبلهم ومعنيون بتشييد جبهة العلم والمعرفة والمشاركة في الحضارة الإنسانية كما خطها أسلافهم من بوابة مؤتة واليرموك وصولا إلى الشام حيث الفضل لأهل الأردن أنهم جعلوا من وجودهم جسرا للمشروع العربي الإسلامي الواقعي وليس الغيبي القادم من الجزيرة العربية .
أما استشهاد الكاتب بشعر أبيه غير المعروف لدينا.. أردننا ياغابة الأسد .. يا موئل الابطال للحشد .. فهذه القصيدة يمكن الاستشهاد بها في الأمسيات الشعرية ولا مجال للاستشهاد بها اثناء الحديث عن المنجز التاريخي المعاصر للشعب الأردني الذي انتزع وفق مسار المعادلة الصراعية الدولية دولته المعاصرة التي ما تزال الرغبة جامحة عند العجزة لو أن هذه الدولة تختفي بلحظة .
أما ما يمكن أن نأسف له هو كيف لموقع عمون أن يمرر مثل هذه المقالات التي تنفصل عن واقع الحياة وعن واقع الاردن الدولة والشعب .