facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ما بعد تواصل 2025: من منبر الكلمة إلى عقل الدولة


صالح الشرّاب العبادي
01-06-2025 12:22 AM

لم يكن خطاب سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني في “تواصل 2025” مجرد حدث عابر في أجندة الدولة، بل كان بمثابة لحظة تأسيس، وإعلان تحوّل في فلسفة الحكم والتفكير ، لقد تكلم الأمير بلغة الدولة الواعية، لا الدولة المتكلسة؛ بلغة المستقبل الذي يُصنع، لا الواقع الذي يُستهلك ، لم يكن الحديث مجرّد استدعاء للمفردات الكبرى كالتحديث والعدالة والريادة، بل كان غرسًا واعيًا لمعانيها في تربة الوطن، لتُثمر عقلًا جديدًا ونهجًا جديدًا.

في عمق الخطاب، لم نكن أمام عرض لما تحقق أو تسويق لما يُراد، بل كنا أمام تمهيد صادق لعقد وطني جديد، قاعدته ليست الشعارات، بل أسئلة العمل الجاد: ماذا سنفعل؟ كيف سنتقدّم؟ كيف نتحول من مراقبة التاريخ إلى صناعته؟ لقد قدّم سموه نموذجًا نادرًا لخطاب لا يستعرض الإنجازات بل يحاكمها، لا يصفق للماضي بل يحاور المستقبل، ولا يخاف من الفشل بل يراه جزءًا من ضرورات التعلّم والتقدّم ، وهذا التحوّل في الخطاب لا يجوز أن يبقى في قاعات المنتدى، بل لا بد أن ينتقل إلى عقول المسؤولين، وأن يُترجم إلى أدوات ومؤسسات ومناهج وسلوك إداري جديد.

من يتأمل خطاب سموه يدرك أننا أمام مشروع دولة لا يرضى بأن يكون “تواصل” مجرّد اسم منتدى، بل رؤية متكاملة لمسار وطني شامل، يرى في الحوار شرطًا للشرعية، وفي الشباب أداة للنهضة، وفي العدالة جوهرًا للاستقرار، وفي التحول الرقمي معركة وجود لا رفاهية خيار ، الدولة التي يريدها ولي العهد ليست تلك التي تُقاس بالأسفلت وعدد الأبراج وبهرجة الأضواء ، بل التي تُقاس بكفاءة الإنسان، وبمدى حضور العقل في القرار، وبقدرة المؤسسات على احتضان المبادرة لا إجهاضها ، وحين يتحدث الأمير عن الريادة كثقافة دولة لا كمشروع اقتصادي، فإنه يقلب المفهوم من رأسه إلى جوهره: فريادة الدولة تعني أن تتقدّم على زمنها، أن تصنع الحلول لا أن تستوردها، أن تنشئ بيئة لا تخنق التجريب ولا تجرّم الفشل، بل تعتبر الخطأ جزءًا من صناعة الصواب.

ما يجب أن يُقال للمسؤولين اليوم، هو أن الاكتفاء بتكرار الخطاب لا يُغني حتماً عن العمل به ، فكل مسؤول لا يُعيد النظر في أدواته، ولا يراجع فكره، ولا يعيد تعريف مهمته في ضوء ما قاله الأمير، هو جزء من الأزمة لا من الحل ، لم يعد مقبولًا أن نقيس التقدّم بعدد المشاريع التي تُفتتح او بامتطاء منصات الخطابات ، بل بمدى شعور المواطن بالكرامة والفرصة والعدالة ، ولم يعد من المقبول أن نحتكر الحوار في الصالونات المغلقة، أو نحصر التحديث في النخب التي لم تعد ترى الوطن إلّا من نوافذ السيارات الرسمية وثقوب المكاتب الموصدة ..

إن الخطاب الجديد الذي قدمه سموه ليس “بُعدًا إعلاميًا” كما قد يُختزل، بل هو إطار فلسفي يجب أن يُعاد تشكيل السياسات العامة ضمنه ، والرهان الذي طرحه سموه ليس على الأجهزة، بل على الوعي الجمعي، على طاقة الشباب، وعلى فتح النوافذ لا إحكام الأبواب وعلى ( دق الحديد لا دق الصدور ) . ومن لم يسمع ذلك جيدًا، فقد استمع للكلمة دون أن يصغي لمعناها ، ومن قرأ الخطاب على أنه لحظة علاقات عامة، فقد أخطأ في قراءة المستقبل كله.

ما بعد “تواصل 2025” يجب أن يكون مختلفًا عمّا قبله ، فإما أن نعيد هندسة الدولة لتلائم روح الخطاب، أو نبقى ندور في متاهة النوايا الطيبة دون أثر. التحدي ليس في تقبّل الأفكار الجديدة، بل في التخلّص من الأفكار البالية ، والتغيير الحقيقي لا يبدأ حين يقول القائد ما يجب أن يُقال، بل حين يتوقف الجميع عن انتظاره ليقول، ويبدؤون هم بالفعل.

الأردن اليوم لا ينقصه الخيال، بل التنفيذ ، لا يعاني من قلة الرؤى، بل من كثرة العوائق التي تعيش بين الفكر والفعل ، وإذا كان الخطاب قد رسم المسار، فإن علينا أن نسير ، لا ننتظر قرارات فوقية، بل نبادر من كل موقع، لأن بناء الدولة الحديثة ليس ترفًا، بل وفاءً للأجيال القادمة، والتزامًا لعهدٍ نكتبه لا بالحبر، بل بالعمل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :