الشروط الجزائية في الاتفاقيات اختراع يسجل للحكومات الاردنية
سامي شريم
01-06-2025 10:19 AM
لتشخيص الحال تشخيصا عميقا لواحدة من اخطر المظاهر التي نخرت جسد الادارة العامة في الاردن والتى تتمثل في فرض شروط جزائية مجحفة وضعتها الحكومات المتعاقبة في اتفاقياتها مع الشركات الاجنبية الخاصة هذه الشروط لم تكن فقط خطأ اداريا بل كانت نهجا مكرسا يعكس اختلالا جوهريا في فهم الدولة ودورها ومكانتها فحينما تلزم الدولة نفسها بدفع تعويضات ضخمة اذا لم تلتزم هي بتنفيذ الاتفاق فهذا يعني ان الدولة تتصرف وكأنها الطرف الاضعف او انها تعاني من ازمة ثقة بذاتها وبقراراتها او ربما لان هناك ما يراد اخفاؤه وما لا يقال بدأ من اتفاقية الكازينو التي اصبحت رمزا للفشل والعبث الى اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني مرورا باتفاقيات استثمار الصخر الزيتي التي لم ير منها المواطن الا الوعود والتبجح فان ما يجمع هذه النماذج هو غياب المصلحة الوطنية وتغليب منطق الارتهان والتسليم امام من يفترض ان يكونوا شركاء لا سادة على القرار الوطني ان يتم تضمين الاتفاقيات بنودا جزائية ضخمة على الدولة وحدها وان يعفى الطرف الاخر من اية التزامات مماثلة هو اهانة لكرامة الدولة واستخفاف بقدرتها على ادارة شؤونها.
الادارة العامة التي تقبل بهذه الشروط هي اما ادارة تفتقر للكفاءة او انها متواطئة في مؤامرة ناعمة لتقويض السيادة وتدمير الثقة بالمؤسسات حينما تصبح الاتفاقيات غطاء قانونيا لمشاريع فساد يتم تمريرها عبر كلمات منمقة ونصوص مزخرفة فان الخطر يتجاوز المال العام ليصل الى جوهر الدولة ومكانتها امام شعبها والعالم هذه ليست مجرد عقود انها بوابات للتبعية ولاحقا لبناء منظومة اقتصادية لا يتحكم بها الاردنيون بل تتحكم بها لوبيات خارجية وداخلية تسعى فقط للربح على حساب الوطن.
ما يجب ان يقال بصراحة ان من ابتدع هذا النوع من الاتفاقيات يجب محاسبته لا تكريمه ولو كنت صاحب قرار لعلقته على خشبة باب الجامع الحسيني لان ما قام به هو خيانة للثقة العامة وتفريط بالكرامة الوطنية ولا ابالغ ان قلت ان من صاغ هذه البنود لا يفهم معنى الدولة ولا يعرف معنى السيادة ولا يدرك ان الكرامة الوطنية لا تباع ولا تشترى ولا توضع في مزاد التفاوض مع شركات تبحث فقط عن مصالحها.
المطلوب اليوم ليس اعادة صياغة القوانين بل اعادة صياغة العقل الذي يدير الدولة نحتاج الى رجال دولة يؤمنون ان التفاوض ليس خضوعا وان الشراكة لا تعني الاستسلام وان الوطن لا يمكن ان يكون سلعة تفاوضية المطلوب هو استعادة هيبة الدولة واعادة بناء الثقة بعقل وطني حر لا يخاف ولا يساوم ولا يرتبك حين يدافع عن مصالح شعبه نحتاج الى نهضة ادارية اخلاقية تعيد تعريف معنى الخدمة العامة وترسم حدود ما يجوز وما لا يجوز باسم التنمية والاستثمار والاصلاح.
ما حدث ويحدث ليس قدرا بل نتيجة اختلال عميق في منظومة القيم والاولويات في الادارة العامة وهو انذار خطير بان الوطن قد يصبح في مهب الصفقات اذا لم ينتفض العقل الوطني ليستعيد زمام المبادرة ويعيد كتابة المعادلة من جديد حيث يكون الوطن هو الرقم الاول لا التابع لاي رقم اخر