الأردن بين التحدي والفرصة توازنات اقتصادية تُبنى على الإنسان
المحامي الدكتور هيثم عريفج
02-06-2025 10:27 AM
يواجه الأردن اليوم تحديًا لا يمكن إنكاره، وهو التحدي الاقتصادي الذي بات يطغى على ما سواه من أولويات وطنية. في ظل الواقع الإقليمي والدولي المتغير، وتزايد الضغوطات الداخلية، أصبح من الضروري إعادة صياغة نظرتنا إلى المستقبل الاقتصادي للبلاد، استنادًا إلى معطيات حقيقية ومصالح استراتيجية، لا إلى أمنيات أو خطاب عاطفي تجاوزه الزمن.
إن بناء توازنات اقتصادية جديدة يمثل أولوية وطنية ملحة، لا بد أن تقوم على استثمار الميزات النسبية التي يملكها الأردن، وفي مقدمتها الموقع الجغرافي الحيوي والطاقات البشرية الشابة والمتعلمة. فهذان العاملان يشكلان قاعدة يمكن البناء عليها لتجاوز التحديات، وتحويلها إلى فرص تنموية حقيقية.
أولًا: الموقع الجغرافي كركيزة اقتصادية
لطالما شكّل موقع الأردن نقطة وصل بين المشرق والمغرب، والخليج والبحر المتوسط. ورغم التحديات السياسية والأمنية التي عصفت بالمنطقة، لا يزال هذا الموقع يحتفظ بإمكانات هائلة لم تُستثمر بعد بشكل كافٍ. يمكن للأردن أن يتحول إلى مركز إقليمي للخدمات اللوجستية، وملتقى استراتيجي للمشاريع العابرة للحدود، خصوصًا في ظل تعافي بعض الاقتصادات المجاورة، وتغير خرائط التجارة والطاقة على مستوى المنطقة.
غير أن استثمار هذا الموقع لا يمكن أن يتم بمعزل عن بنية تحتية فعالة، وإطار قانوني وإداري جاذب، ورؤية اقتصادية قادرة على بلورة مصالح مشتركة مع دول الجوار، لا تقوم على المجاملات أو الرهانات غير الواقعية، بل على الشراكة والمنافع المتبادلة.
ثانيًا: رأس المال البشري.. المورد الأغلى
لا يقل المورد البشري أهمية عن الموقع الجغرافي، بل هو في حقيقة الأمر الثروة الحقيقية التي يمتلكها الأردن. فالشباب الأردني يتمتع بمستوى جيد من التعليم، ولديه القدرة على التكيف والإبداع، إلا أن غياب السياسات الكفيلة بتوجيه هذه الطاقات نحو مجالات إنتاجية جعل الكثير من الإمكانات الكامنة غير مفعّلة، وترك فئات واسعة تعاني من البطالة أو الهجرة بحثًا عن فرص خارجية.
إن بناء توازن اقتصادي مستدام يبدأ من إعادة الاعتبار للعنصر البشري عبر:
تطوير منظومة التعليم والتدريب، ومواءمتها مع متطلبات سوق العمل الحديثة.
تعزيز الاستثمار في التعليم التقني والمهني.
تحفيز الابتكار وريادة الأعمال، وتوفير البيئة التشريعية والتمويلية الداعمة لذلك.
ربط الشباب مباشرة بمشاريع التنمية المحلية والإقليمية.
ثالثًا: نحو شراكات إقليمية اقتصادية فاعلة
لقد أثبتت التجارب أن العلاقات بين الدول لا تُبنى على العاطفة أو التاريخ المشترك وحده، بل على المصالح الاقتصادية والتكامل الاستراتيجي. ومن هنا، ينبغي أن تتجه السياسة الاقتصادية الأردنية نحو تعزيز التعاون مع دول الجوار العربي، وعلى وجه الخصوص العراق، السعودية، سوريا ، قطر ، الإمارات ومصر، عبر مشاريع استثمارية وتنموية مشتركة تُعزز التكامل وتُحقق المنفعة المتبادلة.
الأردن يمتلك الكثير ليقدمه، لكن عليه أن يُعيد تعريف نفسه اقتصاديًا. لم يعد كافيًا الحديث عن ثوابت سياسية أو دور تاريخي، ما لم يُترجم ذلك إلى أرقام في الميزان التجاري، وفرص عمل على أرض الواقع، واستثمارات تعود بالنفع على المواطن أولًا.
الأردن بحاجة إلى إعادة تموضع اقتصادي قائم على الواقعية والاستثمار الذكي في الإمكانات المتاحة. فالطريق إلى مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لا يمر عبر الخطابات أو التمنيات، بل عبر استراتيجيات واضحة تركّز على نقطتين جوهريتين: موقع الأردن كممر استراتيجي، والإنسان الأردني كعنصر فاعل في بناء اقتصاد منتج ومستدام.
إننا اليوم أمام فرصة تاريخية، قد لا تتكرر، لإعادة بناء التوازنات الاقتصادية على أسس أكثر عدالة وفعالية. وما لم نغتنم هذه اللحظة، فقد نجد أنفسنا بعد سنوات نكرر ذات الخطابات، بينما تتقدم المنطقة من حولنا وتُعيد تشكيل خرائط المصالح دون أن يكون لنا فيها موضع قدم.