يُعد الأردن من الدول التي شهدت تحولات ثقافية واجتماعية واقتصادية متسارعة بفعل العولمة والتقدم التكنولوجي ، مما وضع المجتمع الأردني أمام واقع جديد يتطلب إعادة قراءة للهُوية الوطنية في ظل تصاعد ما يُعرف بـ "الصراع الحضاري" هذا الصراع الذي يُقصد به تلك المواجهة بين منظومات القيم التقليدية المحلية ، وبين موجات القيم والأفكار والسلوكيات الوافدة عبر قنوات العولمة المختلفة.
مظاهر الصراع الحضاري في الأردن:

1 / أزمة القيم الاجتماعية:

أشارت دراسات ميدانية إلى وجود فجوة قيمية واضحة بين الأجيال ،حيث أصبح الشباب الأردني أكثر ميلاً إلى تبني أنماط حياة وقيم ذات طابع غربي، مثل الحرية الفردية والتمكين الرقمي ، وقد أكد تقرير نشرته جامعة اليرموك (2022) أن نسبة 53% من عينة الدراسة من الشباب الأردني يشعرون بتعارض بين القيم الأسرية التقليدية والقيم التي يتعرضون لها عبر الإعلام الحديث.

2/ التأثير الإعلامي والسوشيال ميديا:

تُعتبر منصات التواصل الاجتماعي من أبرز الأدوات التي عمّقت هذا الصراع ، حيث أصبحت المصدر الأساسي للمعلومات والقيم لدى شريحة كبيرة من الشباب ، وفقاً لتقرير "مركز الدراسات الاستراتيجية" في الجامعة الأردنية (2023)، فإن 91% من الشباب الأردني يعتمدون يومياً على الإنترنت والسوشيال ميديا كمصدر للمعلومة والترفيه ، وهو ما ساهم في تعريضهم لثقافات متباينة ومؤثرة على سلوكهم الاجتماعي.

3/ التنوع السكاني وتأثير اللجوء:

أدى استقبال الأردن لموجات متلاحقة من اللاجئين إلى خلق بيئة ثقافية متنوعة ومعقدة، الأمر الذي أسهم أحياناً في تصاعد التوترات الاجتماعية والثقافية بين المكونات السكانية المختلفة ، خاصة في المناطق الحضرية ، وقد أشار تقرير للمركز الوطني لحقوق الإنسان (2021) إلى أن ما نسبته 27% من الأردنيين يرون أن وجود اللاجئين ساهم في زيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية وخلق بيئات تنافسية غير عادلة في بعض القطاعات.

4/ الاستهلاك الثقافي العالمي:

أظهرت دراسة أجراها "منتدى الفكر العربي" (2023) أن 64% من الشباب الأردني يفضلون استهلاك المنتجات الثقافية والفنية الغربية (مثل السينما والموسيقى والموضة) ، وهو ما أضعف، حسب الدراسة ، من انتمائهم للمنتج الثقافي المحلي.

انعكاسات الصراع الحضاري على الهوية الوطنية:

يعيش الشباب الأردني حالة من التذبذب بين رغبة في الانفتاح على العالم وتبني أنماط حديثة، وبين التمسك بالهوية الوطنية العربية الإسلامية ، وقد بيّنت دراسة صادرة عن جامعة آل البيت (2024) أن 38% من الشباب الأردني يشعرون بتراجع في شعورهم بالانتماء الثقافي مقارنة بالأجيال السابقة.

ولابد من تطوير استراتيجيات وطنية للثقافة والإعلام تُعيد تعزيز الهوية الوطنية بروح معاصرة ، وتبني برامج تربوية وإعلامية تُشجع على التفكير النقدي والانفتاح الواعي على الاخر ، و دعم المبادرات الشبابية التي تُعيد إحياء التراث الأردني ضمن قوالب حديثة و تنافسية ، مع فتح حوارات وطنية بين الأجيال المختلفة لتعزيز الفهم المشترك لقضايا الهوية الوطنية ، مع وعينا الكامل على إن الصراع الحضاري في الأردن هو نتاج طبيعي للعولمة وليس ظاهرة معزولة ، والتحدي يكمن في إدارة هذا الصراع بطريقة متوازنة تُحافظ على الهوية الوطنية وتُتيح في الوقت ذاته فرص الانفتاح الواعي على العالم.

حمى الله الاردن و سدد على طريق الخير خطاه.

المصادر:
1. مركز الدراسات الاستراتيجية - الجامعة الأردنية، تقرير "الشباب الأردني والعولمة"، 2023.
2. جامعة اليرموك، دراسة "تحولات القيم بين الشباب الأردني"، 2022.
3. المركز الوطني لحقوق الإنسان، تقرير سنوي، 2021.
4. منتدى الفكر العربي، دراسة "الاستهلاك الثقافي بين الشباب الأردني"، 2023.
5. جامعة آل البيت، دراسة "الهوية الوطنية في ظل العولمة"، 2024.