تعطيل مشاريع اللامركزية .. تفريغ للموازنات وتفريط بإرادة المواطنين
المحامي خالد العرامين
08-06-2025 05:28 PM
مساء الخير أيها الوطن...
مساءٌ تختلط فيه الأسئلة بحبر القرارات الحكومية الغامضة، في مشهدٍ يكرّس التناقض بين الوعود الرسمية والممارسة الفعلية.
ها هي مشاريع اللامركزية – التي أُدرجت في موازنات مجالس المحافظات بدماء ودموع الأردنيين – تُدفن أحياءً بموجب كتاب حكومي، تعطيلٍ صامت.
نعم، هذا ما تفعله الحكومة بمجالس المحافظات. ما حدث ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو إجهاز متعمد على فلسفة اللامركزية التي وُعد بها المواطنون، وتحويلها إلى هياكل بلا روح، في تفريغٍ صارخٍ لمضمون الديمقراطية المحلية التي كرسها الدستور.
لطالما مثّلت اللامركزية حلم الأردنيين بالتنمية وتقريب الخدمات،
لكن المفارقة تكمن في أن الحكومة نفسها – التي أقرّت موازنات هذه المشاريع – تصدر اليوم تعميماً يقضي بتعطيلها.
سؤالٌ واحد يفرض نفسه:
كيف تُدرج المشاريع في وثائق مالية رسمية، ثم يُعلن تجميدها دون حجة قانونية أو مبرر تنموي؟
هذا التناقض الصارخ ليس مجرد خطأ إداري، بل هو رسالة واضحة بأن تشغيل الأردنيين عبر مشاريع محلية أولوية هامشية، رغم كل الشعارات عن مكافحة البطالة.
ثمّة أمر خطير يُكشف اليوم.
التذرّع بتداخل صلاحيات مجالس المحافظات مع مجلس النواب، هذه الحجة تُظهر خلطاً متعمداً للأوراق بين مؤسستين مستقلتين:
مجالس المحافظات وُجدت لخدمة المواطن مباشرةً (شقّ الطرق، تحسين المياه، دعم الزراعة المحلية، رفع مستوى الخدمات العامة، والتنمية).
بينما مجلس النواب مهمته التشريع والرقابة على السياسات الوطنية.
هذا التضارب المفتعل ليس سوى واجهة لتعطيل التنمية المحلية، وإعادة تركيز السلطة في العاصمة، وكأن سنوات من النقاش حول اللامركزية لم تكن سوى قفزة في الهواء.
في خلفية المشهد، تُطلق تصريحات مبطّنة عن نية حل مجالس المحافظات.
هذا التهديد يتجاهل عمداً إنجازات ملموسة حققتها هذه المجالس، من أقصى الشمال إلى الجنوب:
مشاريع صرف صحي،
خطوط مياه،
طرق زراعية أنقذت قرى من العزلة،
مبادرات دعمت المنتج المحلي في مناطق طالها الإهمال.
السؤال المحوري:
هل يُحاسبون على تقصير، أم أن المشكلة تكمن في رفض بعض الجهات المركزية لفكرة السلطة المحلية التي تُقلص من هيمنتها؟
التساؤلات تتدافع كالسيول:
لماذا هذا التخبط في ملف استُهل بترانيم الإصلاح؟
أي مصلحة وطنية تُحققها الحكومة بتعطيل مشاريع قادرة على تشغيل آلاف الشباب في محافظاتهم، بينما البطالة تنهش جسد الوطن؟
ولماذا لا تُكاشف الشعب بحقيقة تقييم أداء اللامركزية، بدلًا من سياسة “الكنّات والحموات وزوجات الأب”، تلك التلميحات غير المباشرة التي تُدار في الكواليس؟
الحل ليس في تجميد المشاريع أو حل المجالس، بل في خطواتٍ جريئة:
مكاشفة شعبية صريحة عبر نشر تقارير تقييمية مستقلة، لا توصيات من "فلان وعلان"، ولا تقريراً سرياً واحداً.
توضيح الصلاحيات قانونياً بحدّ السيف، كي لا تبقى ازدواجية الصلاحيات شماعةً للإخفاق.
تمكين المجالس مالياً وإدارياً بدلاً من تحويلها إلى ديكور ديمقراطي.
تعطيل المشاريع ليس سهواً... إنه إعلان عن إفلاس حقيقي. فاللامركزية التي قُدّمت كمشروع تحرري من ربقة المركزية، صارت هي نفسها أسيرة الأدراج العمانية.
المواطن الذي انتظر سنوات كي يرى طريقه يُعبّد، أو مشروعاً يوظّف ابنه، لم يعد يصدق خطاباً دون فعل.
الأردنيون يستحقون إجابات واضحة كشلالات ماعين، وقلعة الكرك، وأعمدة جرش، وشمس معان، وينابيع الطفيلة…لا كتباً رسمية تُغلق الأبواب بدلاً من أن تفتحها.