كرة القدم .. حين تتحوّل اللعبة الجميلة إلى ساحة كراهية
موفق جباعتة
08-06-2025 09:12 PM
في لحظة حماس، يقف أحد المشجعين هاتفًا باسم ناديه، يلوّح بيده، يصفّر، وربما يسبّ. وفي اللحظة ذاتها، على الطرف الآخر، يقف مشجع خصمه، يرد الشتيمة بأخرى، وربما يزيد جرعتها. تنتهي المباراة، ولكن تبدأ معركة من نوع آخر: فيسبوك، تويتر، مجموعات واتساب، وأحيانًا الشارع.
ليس التعصب الرياضي جديدًا، ولكن الجديد هو حجمه وتأثيره الاجتماعي والسياسي المتصاعد. حين تُختزل الوطنية في لون قميص، ويتحول الفريق إلى "طائفة"، والمباراة إلى "حرب منابت وأصول"، فإننا أمام ظاهرة تحتاج إلى وقفة جادة.
لقد رأينا خلال السنوات الماضية كيف تسبّب تعليق ساخر أو شتيمة رياضية في تفكيك صداقات قديمة، وإثارة نزعات مناطقية، وحتى ضرب نسيج الوطن الواحد. بعض المشجعين لا يرون في الفريق الخصم مجرد خصم كروي، بل يرونه تجسيدًا لفئة أو منطقة أو لهجة يكرهونها مسبقًا.
والأخطر، أن منصات التواصل باتت بوقًا لهذا الخطاب. فأصبحت الشتائم تُقال باسم الحرية، والتعصب يُغلف بـ"الولاء الرياضي"، والعنصرية تمر تحت عنوان "الفكاهة".
وربما تظن أن تأثير هذا التعصب يقتصر على داخل الدولة. لكنه أحيانًا يمتد ليؤثر في العلاقات بين الشعوب. كم من مرة أشعلت مباراة بين منتخبين عربيين عاصفةً من الكراهية بين شعبين شقيقين؟ وكم من مرة احتفل إعلام إحدى الدول بخسارة "دولة خصم"، في مشهد لا يمت للروح الرياضية بصلة؟
إن هذه السلوكيات تشوه صورة الشعوب أمام بعضها البعض، وتخلق أجيالًا تظن أن الخلاف الرياضي مبرر للشتيمة والتقليل من الآخر.
ما الذي نحتاجه؟
نحن بحاجة إلى إعادة تعريف العلاقة بالرياضة:
أن ندرك أن المنافسة لا تعني الخصومة.
أن يكون الانتماء للفريق لا يعني كراهية الآخر.
أن نحاسب من يروّج للعنصرية تحت عباءة "المشجع الوفي".
وأن يُفهم أن الكلمة الجارحة قد تهدم أكثر من مباراة.. قد تهدم جسرًا بين قلوبٍ وأمم.
وفي الختام ليست المشكلة في كرة القدم، بل فيمن يلعبها في رؤوسنا.
لنربح الروح الرياضية، حتى لو خسرنا المباراة، فالفوز الحقيقي ليس بمن يسجّل هدفًا في الشباك، بل بمن يُحسن التعبير عن حبه دون أن يجرح أحدًا.