facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




سايكس-بيكو ووعد بلفور: الكمين السياسي الذي ابتلع الحلم العربي


م. بسام ابو النصر
10-06-2025 08:59 PM

حين اندلعت شرارة الثورة العربية الكبرى عام 1916 بقيادة الشريف الحسين بن علي، كانت الآمال العربية تتجه نحو بناء دولة قومية حرة، تنهض على أنقاض قرونٍ من التهميش والهيمنة العثمانية. لم يكن الحلم العربي مجرد رد فعل على ظلم السلطة العثمانية، بل كان طموحًا سياسيًا ووجدانيًا في آنٍ معًا، يُراد له أن يؤسس لعصر جديد للعرب، يكونون فيه أسياد مصيرهم، وشركاء حقيقيين في صنع مستقبلهم. لكنّ ما لم يدركه الكثيرون في تلك اللحظة التاريخية الحرجة، هو أن القوى الدولية، وتحديدًا بريطانيا وفرنسا، كانت تُخطط بهدوء خلف الأبواب المغلقة لتوزيع الإرث العثماني على طريقتها، لا بما يلبي طموحات العرب، بل بما يحقق مصالحها الاستعمارية.

في الوقت الذي كانت فيه البنادق العربية تُقاتل على جبهات الحجاز والشام، كانت معاهدة سايكس–بيكو تُرسم عام 1916 بين لندن وباريس وموسكو، لتُقسّم العالم العربي إلى مناطق نفوذ خاضعة للسيطرة الأجنبية. لم تكن المعاهدة مجرّد اتفاق حدودي، بل كانت كمينًا سياسيًا مكتمل الأركان، أُحكم إغلاقه على الحلم العربي قبل أن يولد. وما زاد الطين بلّة، أن بريطانيا نفسها، التي وعدت الشريف الحسين بدولة عربية موحدة مقابل الثورة على العثمانيين، كانت في الوقت ذاته تُجري اتصالات مع الحركة الاحتلالية، لتمنحها لاحقًا وعدًا خطيرًا تمثّل في تصريح بلفور عام 1917، القاضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، في تجاهل تام لحقوق أهلها العرب.

وسط هذا المشهد المعقد، جاء موقف الشريف الحسين بن علي موقفًا مبدئيًا في جوهره. لقد رأى أن الخلافة يجب أن تبقى في بيت النبوة، وأنها لا تُختزل في سلطان يحكم باسم الدين ويظلم باسم الشرع. رفض أن يكون تابعًا لسلطة لا يرى فيها شرعية حقيقية، ولا تعكس تطلعات العرب في المشاركة وصنع القرار. ولذلك، لم يُعلن الحسين نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الدولة العثمانية في الحرب، بل ظل متمسكًا ببقاء الخلافة حتى قيام مصطفى كمال أتاتورك بإلغائها نهائيًا عام 1924، في لحظة شكلت صدمة كبرى للوجدان الإسلامي، وللشريف نفسه، الذي كان يأمل أن تبقى الخلافة ولو بشكل رمزي جامع للأمة.

ومن المثير للجدل، أن تُحمّل الثورة العربية الكبرى مسؤولية سقوط الخلافة العثمانية، بينما الحقيقة التاريخية تشير إلى أن الخلافة كانت قد انهارت داخليًا منذ سنوات، بفعل الاستبداد، والفساد، وتغليب العرق التركي على بقية الشعوب المسلمة. كما أن انحياز الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى لم يكن خيارًا استراتيجيًا موفقًا، بل فتح الباب واسعًا أمام نهايتها. الحرب وضعت العالم الإسلامي كله في مرمى نيران الإمبراطوريات المتصارعة، ولم يكن بإمكان العرب أن يظلوا أسرى لوهم وحدة إسلامية شكلية تُدار من إسطنبول على حساب وجودهم ومستقبلهم.

بعد الحرب، وبالرغم من خيانة الحلفاء لوعودهم، جرى تأسيس كيانات سياسية في المنطقة حملت الطابع الهاشمي، كإمارة شرق الأردن، والمملكة العراقية، والحكم القصير في سوريا قبل أن يُطاح به على يد الفرنسيين. ورغم ما تحمله هذه الكيانات من رمزية سياسية مرتبطة بالثورة، إلا أنها لم تُحقق فعليًا الأهداف الجوهرية التي خرج من أجلها العرب، لا من حيث الوحدة، ولا من حيث السيادة الكاملة، ولا من حيث التحرر من التبعية الغربية. بل إن تأسيس هذه الدول جاء أشبه بجائزة ترضية محدودة، تمت إدارتها ضمن نظام الانتداب، وليس كتحقيق حقيقي لحلم الدولة العربية الكبرى.

وفي المحصلة، فإن الثورة العربية الكبرى كانت محاولة صادقة لكسر القيد السياسي والثقافي الذي كبل العرب لقرون، لكنها اصطدمت بمخططات دولية محكمة، ساهمت فيها الاسرائيلية العالمية، وتواطأ معها الحلفاء الغربيون، وسكت عنها بعض العرب بجهل أو اضطرار. وما حدث بعد ذلك من تمزيق للمنطقة، وتمكينٍ للمشروع الاحتلالي في فلسطين، ليس إلا تتويجًا لذلك الكمين السياسي الذي التُفَّ به على العرب، حين اختاروا النهوض، فوجدوا أنفسهم في قلب خديعة كبرى.

الثورة لم تكن خطأ، لكنها لم تُحمَ بسياج من الوعي السياسي الكافي، ولم تُدعَم بتحالفات نزيهة. أما الحلم العربي، فلا يزال معلّقًا بين أيدي الأجيال، لعلها تُعيد كتابته بما يليق بتضحيات من حلموا يومًا بدولة واحدة، حرة، مستقلة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :