لم نعد صغاراً كما كنا نقنع انفسنا بأن الشباب شباب القلب.

عرّتنا السنًون فأصبحت مرآة العمر أكثر وضوحاً

نعم نحب الحياة لا نرغب بالموت الآن، نرغب أن نعود لبراءتنا عندما لم نكن نسمع بالنفاق والفساد والغش والالحاد والمثلية والماسونية والمحسوبية والمديونية والبيروقراطية ووو…

لا أرغب بأن أعود شابة، أرغب أن أعود تلك الطفلة التي كان أقصى طموحها أن تركب الطائرة، أن تأكل شوكولاتة وقتما تريد، أريد أن أذهب لتلك (السحسيلة) لأنها أطول، أردت أشياءً كثيرة لكنني اكتشفت أن أكثر الاشياء التي كنت أخشاها أن أفارق أمي وأبي.. كبرت وأصبحت لا أريد أن أفارق أبنائي.

لا ارغب بالموت ومظاهر ثنايا السنين بدَت تكسو ذلك القلب لا أرغبُ بالموت ومظاهر العمر بائنة على وجهي وجسدي، سأكافح لأشيخ وأنا على هيئةٍ صبية. لكنّي عبثاً أحاول أن أغلبَ السنين فهي حتماً ستغلِبُني، مهما غاَلبْتُها ستغلِبُني، لكني سأكافح أقداري علّها تُدهشني بمعجزةٍ لم تخطر على بالِ عندها سأصرخ (يا مرحباً بالموت فأنا الطفلة التي أضحت في أولِ العُمُرِ).

موحشةٌ هي الأيام تسبِقُنا كالبرق، تخبرنا أننا كلما مضى من عمرنا يوم قاربنا على المشارف. واقترب اللقاء.

في كبرى الشركات عادة ما يقام حفل نهاية الخدمة لكبار الموظفين، لا احتاج ذلك الحفل بقدر ما احتاج أن أضمن موقعي بعد تلك الخدمة. أريد ضماناً بأن ترقيةً تليق بتلك الخدمات (إن كنت قد أديتها باقتدار) فالضمان ليس مختوماً بالقبول. فاللقاء ليس كأي لقاء ومُضيفَكَ ليس أيّ مُضيف.. حتى وانت تسبح بخيالك عن ذلك اللقاء يكاد القلب ينخلع من مكانه.

فاللهم أعمالنا وخدماتنا (CV) قد قصرنا بها فلم تكن كما تُحب. فقد قمنا بصياغتها كما نُحِبّ لا كما تُحِبّ.

(افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون)

لو قُدّر لسنوات العمر أن تتجاوز عنّي سأختار أن أكبر دون أن أكْبُر.

لو قُدّر لسنوات العمر أن تتجاوز سأختار أن يتجاوز ربي عني في لحظات التجاوز.

لو قُدّر لسنوات العمر أن تتجاوز سأختار أن أتجاوز لحظات فقدان والِدَيّ.

لو قُدِّرَ لسنوات العمر أن تتجاوز سأختار أن أتجاوز سنين العمر لأقفِزَ إلى مراتب الحِكمة التي لولا سنواتي التي لم اجتزها لما حصَلت على حِكمتها.

نحتفل بأعيادنا ونحن للمشارِفِ نمضي
فاللهم طريقا لا نتعثّرُ فيه كما تَعثّرنا في بداية الطريق.
فما مشارفنا سوى بدايةٍ. خَطّته لنا الأقدار لِنُكمِل المشوار

فضفضات المساء