facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




شغف الشباب بعد التخرج: مفتاح النجاح في سوق العمل والتحديات القادمة


د. أسيد مطر
14-06-2025 01:32 PM

في حياة كل شاب، لحظة مفصلية يتوقف عندها الزمن قليلًا، لحظة لا تُشبه أي لحظة أخرى، يتسلّم فيها شهادة التخرج الجامعي، يمتلئ قلبه بمزيج من الحماس والقلق، التفاؤل والتساؤل، وكأن العالم قد ألقى أمامه خارطة غير مرسومة بعد، وطالبه بأن يختار طريقه بنفسه. ما بين التهاني المتدفقة من الأهل والأصدقاء، وبين توقعات المجتمع وضغوط المستقبل، يجد الشاب نفسه في مواجهة سؤال وجودي: "وماذا بعد؟"

الكثير من الشباب يُغادرون مقاعد الدراسة محمّلين بالأمل، ولكن غير متأكدين من الخطوة التالية. فهل ينتقل مباشرة إلى سوق العمل؟ وإن لم يجد وظيفة، فهل يتجه إلى الدراسات العليا؟ أو يبحث عن فرصة تدريب أو عمل تطوعي؟ وفي خضم كل هذه الاحتمالات، تبقى الحقيقة الأهم أنه لا أحد يستطيع اتخاذ هذه القرارات المصيرية نيابة عنه. هذا الصراع بين الصوت الداخلي الذي يبحث عن تحقيق الذات، وبين الأصوات الخارجية التي تضغط عليه لاتباع مسار محدد، هو ما يجعل مرحلة ما بعد التخرج من أكثر المراحل حساسية في حياة الشباب.

المشكلة أن كثيرًا من الشباب يربطون بين النجاح وبين الشكل الخارجي للمسار المهني: المسمى الوظيفي، مكان العمل، أو حجم الراتب. يغيب عن أذهانهم أحيانًا أن النجاح الحقيقي يبدأ من الداخل، من فهم الذات، من معرفة ما الذي يحبونه فعلًا، وما الذي يستطيعون التميز فيه. ولكن كيف يكتشف الشاب شغفه وسط كل هذه الضغوط؟ الإجابة ليست سهلة، لأنها تتطلب أولًا أن يمنح نفسه الوقت والمساحة الكافية للتأمل والتجربة.

الشغف لا يُكتشف في لحظة واحدة، ولا يأتي عبر "وحي" مفاجئ. بل هو ثمرة التجارب المتراكمة، والمواقف التي نمر بها، والتفاعلات التي تضعنا في مواجهة قدراتنا ومواطن قوتنا وضعفنا. قد يعتقد البعض أن الشغف يجب أن يكون واضحًا منذ الطفولة، أو أن الشخص يجب أن يُولد وهو يعرف بالضبط ماذا يريد أن يكون، لكن الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك. كثير من الناس يكتشفون شغفهم في مرحلة متأخرة، بعد أن يجربوا أعمالًا متعددة، أو بعد أن يخوضوا مغامرات دراسية أو مهنية لم تكن في حسبانهم.

للأسف، البيئة المحيطة بالشباب في كثير من المجتمعات العربية تُمارس ضغطًا كبيرًا عليهم، فتدفعهم أحيانًا إلى اختيارات لا تُعبّر عن ذواتهم، فقط لأن المجتمع يراها "مقبولة اجتماعيًا" أو "آمنة من حيث المستقبل". فكم من شاب أو شابة اختاروا مسارات دراسية أو مهنية لا تتوافق مع ميولهم الحقيقية، فقط لإرضاء التوقعات الأسرية أو المجتمعية؟ هذه التنازلات، وإن بدت في ظاهرها قرارات عملية، إلا أنها قد تُراكم مع الوقت شعورًا بالإحباط والاغتراب الذاتي، وقد تؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان الشغف بالحياة والطموح.

في هذه المرحلة، تظهر أهمية نوع آخر من الذكاء، لا يُدرّس في الجامعات، ولا يُقاس بالدرجات، لكنه يُحدث فارقًا حقيقيًا في حياة الإنسان. إنه الذكاء العاطفي. الذكاء العاطفي هو القدرة على فهم مشاعرك، وإدارتها، والتفاعل مع مشاعر الآخرين بوعي واتزان. هو أن تعرف متى تغضب وكيف تهدأ، أن تُعبّر عن رأيك دون أن تؤذي، أن تبني علاقات قوية ومستقرة تقوم على الاحترام المتبادل والتقدير. كثيرًا ما نغفل عن هذه المهارة رغم أنها أساس النجاح في العمل والحياة معًا.

في مقابلات العمل، تجد أن الشخص الذي يمتلك ذكاءً عاطفيًا يترك انطباعًا أقوى من الشخص الذي يملك فقط شهادة عالية. وفي بيئات العمل الجماعي، يكون الشخص الذي يعرف كيف يتواصل بفعالية، ويستمع بصدق، ويدير الخلافات بحكمة، هو الأقدر على قيادة الفريق وتحقيق النتائج. كذلك، في العلاقات الشخصية، يكون الذكاء العاطفي هو الفارق بين علاقة صحية مستقرة، وعلاقة تنهار عند أول خلاف.

ولأن الذكاء العاطفي لا يُولد معنا، بل يُبنى بالتدريب والخبرة، فإننا نشجع الشباب على خوض تجارب حياتية حقيقية خارج القاعة الدراسية. من خلال العمل التطوعي، والمشاركة في الأندية الطلابية، وحتى من خلال السفر والتفاعل مع ثقافات أخرى، يتعلم الإنسان كيف يفهم نفسه والآخرين. هذه الخبرات تُغذي الشخصية، وتمنحها عمقًا واتساعًا، وتُشكل وعي الشاب بطريقة لا يستطيع أن يُحققها من خلال الدراسة النظرية فقط.

وبالعودة إلى المرحلة الانتقالية من الجامعة إلى الوظيفة، فإنها غالبًا ما تكون محمّلة بالتحديات والقلق. فالشاب يُدرك أن مرحلة الراحة انتهت، وأنه مُقبل على سوق عمل تنافسي لا يرحم. من هنا، يجب عليه أن يتعامل مع هذه المرحلة بواقعية وخطة واضحة. أول خطوة هي أن يُجري تقييمًا صادقًا لنفسه: ما المهارات التي يمتلكها فعلًا؟ ما الذي يُميّزه عن غيره؟ وما هي الجوانب التي تحتاج إلى تطوير؟

ثم عليه أن يبدأ ببناء سيرة ذاتية تعكس هويته ومهاراته وتجربته، حتى وإن كانت متواضعة. الخبرة لا تعني بالضرورة العمل الرسمي، بل قد تشمل العمل التطوعي، المشاريع الجامعية، التدريب الصيفي، أو حتى الهوايات الجادة. كل هذه الأمور تُظهر الشخصية النشطة والمبادر.

بعد ذلك، يأتي دور التقديم للوظائف بذكاء، لا عشوائية. يجب أن يُركّز الشاب على الفرص التي تُناسب مهاراته واهتماماته، وألا يخشى من التقديم حتى لو شعر أنه لا يملك كل الشروط. كذلك، من المهم أن يُطوّر حضوره الرقمي، خصوصًا على منصة "لينكدإن"، التي أصبحت بوابة رئيسية للتوظيف والتواصل المهني. ومن الضروري أيضًا أن يتقبّل فكرة أن الوظيفة الأولى ليست دائمًا مثالية، وأن البدايات قد تكون بسيطة، لكنها تحمل في طيّاتها فرصًا عظيمة للنمو والتطور.

وفي كل خطوة، يجب ألا يتوقف الشاب عن التعلم. العالم يتغير بسرعة، والمهن تتطور، والمنافسة تزداد. لذلك، فإن الاستثمار في الذات عبر الدورات التدريبية، وورش العمل، والتعلّم الذاتي، لم يعد خيارًا، بل ضرورة. كذلك، لا يجب أن يخشى الشاب من الفشل أو التغيير، فكل تجربة، حتى وإن لم تنجح، تُضيف له فهمًا أعمق لما يُريد وما لا يُريد.

في نهاية المطاف، فإن النجاح لا يُقاس فقط بمقدار ما نكسبه من المال، أو بالمناصب التي نصل إليها. النجاح الحقيقي هو أن نستيقظ كل يوم ونحن نشعر أن ما نفعله له معنى، أن نكون في مكان يُشبهنا، وفي عمل نُحبّه، ومع أناس يُقدّرون ما نقدّمه. النجاح هو أن نعيش في انسجام مع أنفسنا، لا في صراع معها.

ولذلك، فإن كل شاب عليه أن يتوقف لحظة، ويسأل نفسه بصدق: هل أنا أسير في طريق اخترته بنفسي؟ أم أنني فقط أُحاول تلبية توقعات الآخرين؟ وهل أمتلك الشجاعة لأستمع إلى صوتي الداخلي، حتى لو لم يكن الصوت الأعلى من حولي؟

إن الحياة لا تُمنح، بل تُصنع. والشغف لا يُعطى، بل يُكتشف. والنجاح لا يحدث صدفة، بل نتيجة إصرار وتعلّم ومرونة. فليكن لكل شاب مساحته في التفكير، وحقه في التجربة، وجرأته في الاختيار، لأن الحياة الحقيقية تبدأ حين نكون نحن كما نحن، لا كما يُريدنا الآخرون.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :