facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأردن بين "ثارات الحسين" و"مقلاع داود"


جمال القيسي
15-06-2025 04:00 PM

في المشهد العربي الممتد بين ضفاف المتوسط والخليج، لم تكن نار التدخلات بعيدة عن بلادنا، لا من الجمهورية الإيرانية ولا من الكيان المحتل. الأولى، باسم "الثارات الشيعية"، تخللت جسد العروبة عبر مشاريع عسكرية ومليشياوية اخترقت العراق وسوريا ولبنان واليمن، فمزقت النسيج الوطني للدول، وحوّلت التعددية إلى صراع طوائف. والثانية، باسم "الحق التاريخي التوراتي"، احتلت فلسطين، وهجّرت أهلها، وأغرقت المنطقة في بحر من الدم ومارست ضد الشعب الفلسطيني أبشع ألوان لتنكيل، من دير ياسين وجنين وحتى غزة.

لقد اكتوى العرب بناريْن: نار مشروع يتوسل "الطائفة" لإعادة رسم الخرائط، ونار احتلال صهيوني لا يعترف بأرض ولا بحقوق. وكلا المشروعين، وإن اختلفت أدواتهما، يتشاركان في تفريغ المنطقة من معاني السيادة، ومن قدرة شعوبها على تقرير مصيرها بعيدا عن سرديات وهرطقات الدول (الثيوقراطية) .

الأردن ما يزال لاعبا أساسيا في سياسة المنطقة والإقليم، وليس دولة محايدة في جغرافيا بلا ذاكرة. فحين تُطلق إيران خطابها الثأري وترفع الرايات الحمراء باسم "ثارات الحسين"، وتعيد إسرائيل تموضعها العدواني باسم الدفاع من خلال القبة الحديدية تحت لافتة "مقلاع داود"، تدرك عمّان أن المنطقة تتحول إلى حلبة رموز دينية تلبس لبوسا عسكريًا، ويُعاد فيها ترسيم الخرائط باللهب الديني لا بالحبر السياسي.

في هذه اللحظة المتوترة، يجد الأردن نفسه بين نارين: نار الانفجار الشيعي الساعي إلى استعادة توازن مفقود منذ كربلاء، ونار المشروع الصهيوني الذي لا يتردد في استخدام الموروث الديني لتبرير استهدافاته الجيوسياسية. وكلتاهما ليستا بعيدتين عن حدود الأردن، جغرافياً ولا رمزيًا.

الخطاب الإيراني، منذ عقود، يتوسل عاشوراء لشرعنة معاركه، فيما تختار إسرائيل اسم "مقلاع داود" لتغليف تكنولوجيا الحرب الرادعة بأسطورة توراتية. هذا الاستدعاء المكثف للرموز الدينية في حرب تدور رحاها بالعبرية والفارسية على الأرض العربية وعبر سمائها، يكشف عن حالة انزياح خطير نحو صراع سرديات دينية بدلاً من التنافس السياسي المشروع.

لكن الأردن، الذي قام تاريخه السياسي الحديث على براغماتية العقل،والمصلحة الوطنية العليا، يجد نفسه اليوم مطالبا بحماية توازنه في لحظة فقدان التوازن الإقليمي. فـ"ثارات الحسين" لا تمثلنا، وإن احترمنا رمزيتها، كما أن "مقلاع داود" لا يمثلنا ولا يعني أمننا القومي.

الأردن الرسمي يقرأ التحولات بدقة، ويعرف أن الاشتباك الرمزي، حين يتحول إلى وقود لصراع إقليمي، يصبح خطرا على كيانات الدول لا على أنظمتها فقط. ولهذا، فإن واجب اللحظة يفرض حماية الأمن الوطني من انزلاق الخطاب إلى طوائف، ومن تحول الأرض إلى ساحة تصفية حسابات بين أعداء لا يأبهون بالتعامل معنا إلا بمقدار حاجتهم لنا.

وإذا كان لابد من تسمية المتسبب في إشعال فتيل هذه الجولة الجديدة من دوامة العنف، فإن أصابع الاتهام تشير بوضوح إلى دولة الكيان المحتل، التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء بشنها ضربات واسعة وعميقة داخل الأراضي الإيرانية. هذه الضربات، التي اختارت التوقيت والرسالة بعناية نارية، فجّرت ما كان يمكن احتواؤه، ودفعت بالمنطقة إلى حافة الاشتعال الكبير.

ومن هنا، فإن الموقف الأردني، الذي دان تلك الهجمات منذ اللحظة الأولى، ليس موقفا أخلاقيا فحسب، بل تعبير عن وعي سياسي بمآلات الانفجار. فحين تختار إسرائيل أن تشعل النار، عليها أن تتحمل تبعات اتساع رقعتها، وعلى المجتمع الدولي أن يتوقف عن النظر إلى الأحداث بعين واحدة.

ليس في مصلحة الأردن أن يكون طرفًا في حرب الآخرين، لكن من حقه أن يقول بوضوح: من يشعل الحروب، لا يملك أن يتحكم بحدود نيرانها!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :