facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قراءة في واقع ومستقبل المشروع الغربي للمنطقة


د. محمود الشوابكة
17-06-2025 12:02 AM

"حقائق على صفيح ملتهب"

أولًا: مبدأ “السلام بالقوة” وإعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الأمريكية:

منذ أربعينيات القرن العشرين، بدأت ملامح المشروع الأمريكي للهيمنة تتبلور تحت شعار “القرن الأمريكي”، الذي أطلقه هنري لوس، مؤسس مجلة “تايم”، داعيًا فيه إلى قيادة أمريكية مطلقة للعالم. ولم تقم هذه القيادة على أسس إنسانية، بل ارتكزت إلى فلسفة داروينية سياسية، تقوم على مبدأ التفوق العرقي والحضاري، وتُشرعن السيطرة الغربية – ولا سيما البيضاء – على الآخرين، باعتبارها “واجبًا أخلاقيًا” تجاه غير البيض.

وتبنّت الولايات المتحدة هذا التوجه كعقيدة استراتيجية تعتمد القوة العسكرية أداةً للتأديب والإخضاع، ووسيلةً لإرغام الشعوب والدول على الانصياع للرؤية الغربية بنسختها الأمريكية.

وبهذا النهج، بدأت واشنطن، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفرّدها كقطب أوحد في النظام الدولي، بإعادة تشكيل المنطقة العربية والإسلامية ضمن اعتبارات ثلاث:
1. إخضاع البؤر الرافضة أو تدميرها:

عملت الولايات المتحدة على إخضاع القوى التي ترفض الانضواء تحت عباءتها، أو تدميرها إذا استعصت. فبعد غزو أفغانستان، جاء الدور على العراق – الدولة ذات الثقل الإقليمي الكبير – ليتم، بعد اجتياحه وتمزيقه عام 2003، اقصائه من معادلة الفعل والتأثير الإقليمي بشكل شبه تام. وكذلك سوريا، التي شكلت مع العراق محورًا مناوئًا، تم اخراجها تماما من المعادلة الإقليمية، بعد أن تضافرت عوامل التخريب الغربية مع دكتاتوريّة النظام الذي بطش بالشعب وأساء ادارة الدولة. أما دولٌ مثل اليمن والسودان وليبيا، فقد تم تحويلها إلى دولٍ فاشلة عبر تفكيك بنياتها السياسية والمؤسسية والاجتماعية، في سياقٍ استغلت فيه القوى الغربية الحراكات الشعبية في سياق مابات يُعرف بـ”الربيع العربي”، حين حرفت بوصلة تلك الحركات، وأدخلت أيديها فيها قتلا وتخريبا وتدميرا، في عملية توزعت فيها المهام على دول المعسكر الغربي الفاعلة وفق مخطط ممنهج ومدروس.

2. تحويل الدول ذات العلاقات المتوازنة إلى تابعة:

لم تعد واشنطن تتسامح مع نماذج تحاول الجمع بين الاستقلال والشراكة. والمثال الأبرز على ذلك هو تركيا، التي واجهت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، حربًا مالية ممنهجة أدّت إلى انهيار عملتها، الأمر الذي أدى إلى إضعاف دورها السياسي نتيجة لذلك، وشكّل رسالة واضحة لكل من يحاول الحفاظ على استقلاله في علاقته مع الغرب.

3. تعميق تبعية الحلفاء:

حتى الدول التي طالما دارت في الفلك الأمريكي، أُعيد إدماجها ضمن نمط أكثر إذعانًا وتبعية، إذ لم يعد الانقياد التقليدي كافيًا، بل صار المطلوب تماهٍ شبه كلي مع الأجندة الغربية، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

وفي إطار الاعتبارات الثلاث تلك، تسعى الولايات المتحدة إلى تفكيك الجسد العربي والإقليمي من الداخل، وتحويله إلى كيانات مشلولة أو تابعة وظيفيًا.


ثانيًا: “إسرائيل” كأداة بطش وظيفية في المشروع الغربي بصيغته الأمريكية:

في إطار هذا الهيكل المعقد للمشروع الغربي، بات الدور التقليدي الذي اضطلعت به “إسرائيل” منذ نشأتها غير كافٍ لتحقيق الرؤية الجديدة لإعادة تشكيل المنطقة. ومن هنا، فقد تقاسمت القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، مهمة إمداد “إسرائيل” بكل مقومات التفوق المادي والتقني والعسكري، حتى تورمت، فانفلتت من كل قيد قانوني أو أخلاقي، وبلغت في تنفيذ أجندة البطش والإخضاع حدا اللامعقول.

ما يجعلنا أمام حالة تحول كبيرة في منسوب الدور الوظيفي وعمقه وشكله، باتت فيها “إسرائيل” “الذراع التنفيذية الباطشة” للمشروع الغربي، في إسناد واضح لها في تنفيذ ما تريد القوى الغربية -المثقلة برواسب القرون الوسطى- القيام به، متحرّرة من أي مساءلة، وما التصريحات الأوروبية التي تعلن “القلق” أو “الرفض” لما يجري، إلا توزيعًا وظيفيًا للأدوار، تهدف إلى تغليف عُريها الأخلاقي بستارٍ من الخطاب الزائف، بعد أن تمكّنت المنظومة الغربية من تحويل “إسرائيل” إلى أداة تقوم بالمهمات القذرة بالنيابة عنها، في مشهد يُختزل في كيان وظيفي سرطاني، يؤدي أدواره بوحشية نيابة عن المركز الإمبريالي.

ثالثًا: ما بعد هذا المشهد – تركيا، باكستان، والمحطة التالية للمشروع الغربي:

في سياق المشروع ذاته، وعلى ذات الأسس التي يقوم عليها، يمكن القول إن حركة التطويع، وربما التدمير، ستتجه في المرحلة التالية نحو دول عربية( الجزائر) وإقليمية( تركيا) أو ذات اتصال مع قضايا الإقليم( الباكستان)، هي وفقا للرؤية الغربية ذاتها إما رافضة للمشروع الغربي أو ، غير منسجمة معه، أو لا يراد لها أن تكون على الشكل التي هي عليه اليوم.

فإذا ما استعرضنا المشهد السياسي في العالم العربي عمومًا، وفي المغرب العربي على وجه الخصوص، نجد أن الجزائر تتخذ مواقف لا تنسجم مع التوجهات الغربية، ولا سيما في ظل المساعي الغربية لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة. وتُعد فرنسا الطرف المتصدر لصياغة الموقف الغربي من الجزائر، بحكم الإرث الاستعماري والتشابك الجيوسياسي القائم بين البلدين. وقد شهدت العلاقة بين الطرفين في السنوات الأخيرة توترًا متصاعدًا، خرج عن إطاره التقليدي إلى حالات من العداء الظاهر، تمثلت في تدخلات فرنسية تُوظّف الورقة العرقية، لا سيما من خلال اللعب على ورقة الأمازيغ، وبالذات في منطقة القبائل، بهدف الضغط على الجزائر لحملها على الانخراط في المسار الغربي.

ويُضاف إلى ذلك، أن الجزائر تُجاهر بموقفها الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتُعلن عداءها له بشكل مباشر، في وقت تتجه فيه أنظمة عربية أخرى نحو توسيع نطاق علاقاتها مع هذا الكيان. ومن هذا المنطلق، تبدو الجزائر مرشحة لأن تكون في مرمى استهداف مشروع إعادة الهيمنة والإخضاع.

أما على المستوى الإقليمي، نجد أن تركيا، وبعد أن وضع حزب العدالة والتنمية حدا لمرحلة الدمى الغربية( وأوضح صوره كانت في عهد تانسو تشيلر ثم مسعود يلماز)، سعت لصياغة دور مستقل يجمع بين الهوية الحضارية والنموذج الاقتصادي، تواجه اليوم ضغوطًا متصاعدة بعد إنهاكها اقتصاديًا، وتضييق نفوذها الإقليمي، وإشغالها بمشاكل داخلية، مما يجعلها الهدف التالي، على المستوى الإقليمي، في مسار الإخضاع الغربي، سواء عبر تعميق أزماتها المالية أو تحريك الداخل ضد الاستقرار.
أما باكستان، فاستهدافها أسهل: إذ يكفي إشغالها بالصراع الهندي، واستثمار هشاشتها السياسية، واعتمادها على الخارج، لضمان بقائها دولة غير فاعلة، رغم امتلاكها قدرات نووية.

ختامًا، يمكن القول: إن ما نشهده من تصعيد “إسرائيلي” تجاه إيران لا يمكن فصله عن الصورة الأكبر لإعادة تشكيل المنطقة وفقًا لاستراتيجية المشروع الغربي. غير أن هذا التصعيد، إن اتخذ طابعًا أكثر حدة، قد يفتح الباب لتوازنات إقليمية ودولية جديدة، لا سيما في ضوء المعادلة الثلاثية المتكونة من: إيران، باكستان، والصين.

فالصين، التي تعد المستورد الأول للنفط الإيراني وبأسعار تفضيلية، ليست معنية فقط بحماية مصالحها الاقتصادية الحيوية، بل هي أيضًا معنية بعدم سقوط النظام الإيراني، الذي يشكل حجر ارتكاز في منظومتها المناهضة للهيمنة الغربية في غرب آسيا. ومن هنا، فإن الحفاظ على استقرار إيران لا يمثل للصين مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية.
وفي السياق ذاته، فإن علاقة الصين بباكستان – اللي توصف بأنها أعلى من الجبال، وأعمق من المحيطات، وأحلى من العسل– تُعد من أعمدة النفوذ الصيني في جنوب آسيا. ولأن باكستان قد تكون إحدى محطات المشروع الغربي التالية، وفق تحليلنا السابق، فإن الصين لن تقف موقف المتفرج إذا ما بدأ الضغط على إسلام آباد بهدف تحييدها أو إضعافها. ذلك أن أي تهديد لبنية الدولة الباكستانية، أو أي محاولة لاحتوائها وتقليم أظافرها، يُعد تهديدًا مباشرًا لمصالح الصين الحيوية، ولا سيما في إطار مشروع الحزام والطريق.

من هذا المنطلق، من المرجّح أن تدفع الصين الباكستان لأن تذهب في علاقتها مع إيران إلى ما هو أبعد من التضامن العاطفي أو السياسي المجرد، بل وقد تشجع – ضمن حسابات دقيقة – على اتخاذ باكستان مواقف مساندة لإيران، كجزء من استراتيجية احتواء التصعيد الإسرائيلي، وإرسال رسائل ردع غير مباشرة للغرب.

وهذا المسار يخدم الصين على مستويين: من جهة، يدعم شريكها الإيراني في وجه الاستهداف الإسرائيلي– الغربي، ومن جهة أخرى، يُبقي باكستان في موقع استراتيجي مستقل عن الهيمنة الغربية.

وعليه، فإن السؤال الذي نطرحه هنا هو:

هل ستظل الصين ساكنة تجاه الحرب على إيران، وإن ظلت كذلك، فهل ستبقى على ذلك الحال إذا ما توجه آليات المشروع الغربي صوب الباكستان؟.

هنا يمكن القول: إن الصين ستكون حاضرة وإن بشكل غير مباشر، لإجهاض هذا المشروع المهد لمصالحها في الصميم،وبالتالي، فأن الصين ستتدخل عبر موازنة المحاور . وهذا ما يجعل من الموقف الباكستاني المستقبلي مرآة لمعادلة توازن أدق وأخطر، يجمع بين الرغبة في تفادي المواجهة المباشرة، والحرص على عدم ترك الساحة فارغة أمام مشاريع الهيمنة المتجددة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :