الأمن القومي الأردني ليس مادة للتجاذب
ماهر أحمد لوكاشه
17-06-2025 11:12 AM
في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، وتحديدًا ما شهدته المنطقة مؤخرًا من تطورات عسكرية خطيرة، تعرّض الموقف الأردني لتأويلات وتحليلات غير دقيقة، بعضها صدر من منصات إعلامية أو عبر تصريحات لم تُوفّق في التعبير عن جوهر السياسة الأردنية الراسخة. توضح السطور التالية بعض المبادئ التي تحكم القرار السيادي الأردني، وتُبرز كيف تتعامل الدولة مع التحديات الأمنية بميزان المصلحة الوطنية، بعيدًا عن المبالغات أو الانفعالات الآنية.
في الأيام الأخيرة، طُرحت تساؤلات كثيرة حول موقف الأردن من التوترات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالتصدي للصواريخ والطائرات المسيّرة التي اخترقت الأجواء خلال موجة التصعيد بين إيران وإسرائيل. وتصدّرت بعض التصريحات الإعلامية المشهد، لكنها، وللأسف، لم تعبّر بدقة عن موقف الدولة الأردنية، ولا عن الثوابت التي تحكم قراراتها في هذه اللحظات الحساسة.
من الضروري التذكير بأن الأردن يتحرك وفق رؤية استراتيجية واضحة وثابتة، تُقدّر المصلحة الوطنية وتضع سيادة الدولة وأمن مواطنيها في مقدمة الأولويات. المملكة لم تكن يومًا جزءًا من لعبة المحاور، ولا تسمح باستخدام أراضيها أو أجوائها كساحة لتصفية الحسابات بين أطراف إقليمية أو دولية.
ما جرى من تصدٍّ لأي تهديد جوي لم يكن خطوة طارئة أو خاضعة لاعتبارات خارجية، بل كان قرارًا سياديًا خالصًا نابعًا من التزام الأردن بحماية حدوده ومجاله الجوي، تمامًا كما فعل في مناسبات سابقة حين أعلن بوضوح رفضه استخدام أجوائه من أي طرف لأغراض عسكرية.
وفي الوقت الذي تتناقل فيه وسائل الإعلام ومواقع التواصل تحليلات وتفسيرات، يتعين علينا أن نُذكّر بأن الأمن القومي الأردني لا يُصاغ في غرف النقاش الافتراضي، ولا ينتظر استحسان “السوشال ميديا” أو رضى شريحة معينة من الجمهور. السياسة الدفاعية الأردنية قائمة على التقدير الدقيق، والحسابات الاستراتيجية العميقة، وليس على المواقف الانفعالية أو الشعبوية.
ما صدر من إجابات غير دقيقة في بعض المنصات الإعلامية لا يُعبّر عن جوهر الموقف الرسمي، بل يعكس قصورًا في الإحاطة بتعقيدات القرار السيادي الأردني، وحساسية الموقف الأمني في لحظة إقليمية شديدة التعقيد.
الأردن لا يُجامل على حساب أمنه، ولا يسمح لأي طرف – كائنًا من كان – بانتهاك مجاله أو جرّه إلى صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل. في الوقت ذاته، تواصل المملكة التأكيد على موقفها الداعي إلى خفض التصعيد، ووقف دوامة العنف، وضمان الاستقرار في المنطقة بما يخدم مصالح الشعوب ويصون مستقبلها.
إن السيادة الأردنية ليست موضوعًا للمساومة، ولا محلًا للتجاذب الإعلامي. القرار الأردني نابع من قناعة ومسؤولية، ويستند إلى ثقة راسخة بأن حماية الوطن فوق كل اعتبار، وأن كلفة التردد في القضايا السيادية أثقل بكثير من كلفة الحسم.