facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ليس لدى الملك من يكاتبه!


جمال القيسي
19-06-2025 11:33 AM

في رواية "ليس لدى الكولونيل من يكاتبهِ" يصوّر غابرييل غارسيا ماركيز رجلاً ينتظر رسالةً من الحكومة؛ تقاعدًا، أو اعترافًا، أو حتى كلمة! الكولونيل مشدودٌ إلى كرامته في عزلة خانقة. يقول ماركيز: "العالمُ سيءٌ جداً.. لكنه أسوأ لأولئك الذين لا يملكون شيئًا!".

عاد هذا العنوان إلى ذهني بقوّة وأنا أتابع خطاب الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بتاريخ 17 حزيران 2025. الملك بدا وكأنه وحده، بل هو وحده وسط صمتٍ عربيٍ مطبق، وتخلٍّ من الحلفاء، وتواطؤ دبلوماسي من عواصم كثيرة تدّعي الانحياز للقانون الدولي، لكنها تعجز حتى عن وصف ما يجري في غزة بما وصفه الملك حرفيًا:
"هذه جرائم حرب لا يمكن تبريرها".

في خطابٍ مباشرٍ، قال الملك:
"نسخةٌ مخزيةٌ من إنسانيتنا تتكشف أمام أعيننا في الزمن الحقيقي."

وهو بذلك لم يساوِ بين الضحية والجلاد، ولم يُخفِ موقفه خلف لغة دبلوماسية محايدة.

هذا الموقف الصريح لا يصدر عن حسابات ظرفية، بل عن قناعة بأن هناك حدوداً أخلاقية لا يجوز تجاوزها، حتى في أكثر اللحظات تعقيداً. ومع ذلك، بدا الخطاب وكأنه يذهب إلى العدم؛ حيث لا يجد من يرد عليه، أو يشاركه المعنى.

لكن العزلة هنا ليست عزلة ضعف، بل عزلة موقف؛ حيث الملك لا ينتظر رسالة، بل يكتبها. ولا يتطلع لاعتراف، بل يقدّم شهادة في زمن عزّ فيه الشهود.

منذ اندلاع العدوان على غزة، كان الموقف الأردني واضحاً: ما يجري ليس دفاعاً عن النفس بل حربٌ إبادة ضد المدنيين. الأردن لم يكتفِ بالإدانة، بل نفّذ عمليات إنزال جوي للمساعدات إلى داخل غزة، في ظل خطر حقيقي، وبإشراف مباشر من رأس الدولة.

وفي مواجهة صفقة القرن قبل ذلك، رفض الأردن أن يكون جزءاً من صفقة لا تعترف بالقدس عاصمة لفلسطين، ولا تضع حقوق وكرامة الشعب الفلسطيني ضمن شروط الحل.

هذه المواقف ليست استثناء، ولا ادّعاء بطولة، بل تعبير عن فهم عميق لمعادلة الأمن والاستقرار في المنطقة، وارتباطها العضوي بعدالة القضية الفلسطينية.

في المقابل، يبدو أن الصوت السياسي العربي في انحدار حاد، إمّا صامتٌ تحت شعار "الواقعية"، أو مشغولٌ بإدارة توازنات داخلية على حساب ما تبقى من الموقف الأخلاقي.

هنا تبرز المفارقة: أن تكون المواقف الأردنية طبيعيةً، لكن معزولة، وأن يصدح صوتٌ بلا صدى، لا من الأشقاء ولا من الغرب الذي ما يزال يتعامى عن الجريمة التي تقع تحت أنظار العالم في فلسطين المحتلة التي تعاني، فوق الاحتلال، من انقسام مؤسسي، وغياب مشروع سياسي جامع، واستمرار الارتهان لواقع تجاوزه الاحتلال بقوة السلاح.

في هذا المشهد، لا يبدو أن خطاب الملك كان موجّهًا لفئة بعينها. بل بدا وكأنه محاولة لصون ما تبقى من لغة، ومن ضمير، ومن حق، قبل أن تجرفنا البلاغة العقيمة أو يبتلعنا الصمت.

الفرق بين الكولونيل في رواية ماركيز والملك عبد الله الثاني فارق جوهري:
الأول ينتظر جوابًا لن يأتي، والثاني لا ينتظر أصلاً، بل يكتب لأن الكتابة فعل مقاومة، والصمت في لحظة كهذه ليس حيادًا بل خيانة للمعنى، وإن كان العالم سيئًا، فإن صمت العرب عنه يزيد من قسوته.

وسط هذا الخراب، ما تزال هناك أصوات ترفض الانزلاق الكامل نحو التطبيع مع العار.

قد لا يُغيّر خطابٌ وحيدٌ وجه الحرب، لكن غيابه كان سيُضيف طبقةً أخرى من السوداوية إلى هذا الزمن الرديء؛ ففي زمن الوحشية، ليس مطلوبًا أن نملك القوة، بل، حسبنا، أن نملك الشجاعة لنقول: "لا".

"ليس لدى الملك من يكاتبه" أجل. لكن ذلك لا يُسكت صوته، بل يجعله أكثر وضوحاً، لأنه لا يُقال مجاملةً، ولم يقله من القادة أحد غيره.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :