الحرب الروسية الأوكرانية والتصعيد الإسرائيلي الإيراني: تقاطع الجبهات
د. اماني شديفات
19-06-2025 07:36 PM
تعيش الحرب الروسية – الأوكرانية لحظة مفصلية، ليست فقط بسبب التصعيد العسكري المباشر، بل بسبب تبدّل المشهد الجيوسياسي الدولي، وظهور أزمات تُعيد رسم خارطة الأولويات الدولية.
الصراع الإسرائيلي–الإيراني لم يُضعف زخم الحرب الأوكرانية فحسب، بل أوجد مساحات جديدة للمناورة الروسية، وأضعف الجبهة الغربية المتماسكة، المشهد مرشح لمزيد من التعقيد، وربما الاتساع، ما لم تُبادر القوى الكبرى إلى تسوية سياسية شاملة تُراعي المخاوف الأمنية لكل الأطراف.
إنّ ما يربط بين الحرب في أوكرانيا، والتصعيد في الشرق الأوسط، يتجاوز مجرد التزامن الزمني؛ فهما تمثلان معركتين على شكل النظام العالمي الجديد حيث روسيا وإيران تسعيان إلى كسر الهيمنة الغربية وإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية، في المقابل، تتحرك الولايات المتحدة وحلفاؤها لإعادة تثبيت النظام الليبرالي القائم، واحتواء القوى الصاعدة.
ومن هنا، فإنّ استمرار الحربين في آنٍ واحد قد يفضي إلى تشكيل محور دولي جديد (روسيا – إيران – الصين ضمنيًا) مقابل محور غربي – إسرائيلي. وهو ما يخلق حالة من الاستقطاب، ويعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، ولكن في سياق جديد ومع أدوات غير تقليدية، أبرزها الحرب السيبرانية والمسيّرات.
إن الحرب الاسرائلية- الإيرانية أدت إلى التغيير في الأولويات الاستراتيجية الأميركية حيث أدّى هذا التصعيد إلى تحول في الاهتمام الأميركي من الملف الأوكراني إلى الشرق الأوسط، حيث باتت واشنطن ترى في التهديد الإيراني أولوية تتقدم على دعم أوكرانيا. وقد انعكس ذلك على الدعم اللوجستي والعسكري لكييف، الذي بدأ بالتراجع تدريجياً، سواء في الكميات أو النوعيات، لصالح تعزيز القدرات الدفاعية لإسرائيل، ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على خوض معركتين مفتوحتين بنفس الزخم، وتراجع التأييد الشعبي في الداخل الأميركي لاستمرار الدعم المفتوح لأوكرانيا.
وكذلك أدت إلى استغلال روسيا هذا التحول بذكاء، حيث كثفت عملياتها العسكرية خلال فترة انشغال العالم بالصراع الإيراني–الإسرائيلي، وضاعفت هجماتها على كييف والشرق، بهدف خلق أمر واقع ميداني قبل أن يستعيد الغرب توازنه الاستراتيجي، رغم ضراوة الهجمات الروسية، أظهرت أوكرانيا قدرة متزايدة على تنفيذ ضربات عميقة داخل الأراضي الروسية، خاصة باستخدام الطائرات المسيّرة في عملية نوعية سُميت “شبكة العنكبوت” (Spider’s Web).
في ظل تشابك المسارات الجيوسياسية، لم تعد الحروب محصورة ضمن حدودها الجغرافية، بل أصبحت أدوات لإعادة تشكيل التوازنات الدولية فالحرب الروسية–الأوكرانية لم تَعُد مجرد نزاع على الأرض الأوكرانية، بل تحوّلت إلى ساحة اختبار لصمود النظام الليبرالي الغربي، في مواجهة قوى دولية صاعدة تسعى إلى إعادة تعريف مفاهيم القوة والنفوذ.
وكذلك الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، فقد تجاوزت في آثارها النطاق الإقليمي وأسهمت في تغيير أولويات القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة مما انعكس بشكل مباشر على الحرب في الأوكرانية.
هذا التداخل في الجبهات منح روسيا مساحة للمناورة هذا التداخل بين الجبهتين سمح لروسيا بإعادة التموضع وشنّ هجمات مكثفة مستفيدة من انشغال الغرب، كما كشف عن هشاشة وحدة الموقف الغربي في ظل تعدد الأزمات. وفي المقابل، أظهرت أوكرانيا مرونة ميدانية وقدرة متزايدة على الرد، لكنها تخوض معركتها في بيئة دولية لم تعد تمنحها الأولوية المطلقة.
المشهد الدولي يسير نحو مزيد من التعقيد، والتوازن بين الردع والتصعيد بات أكثر هشاشة. وفي حال استمرار غياب الإرادة الدولية لتسويات عادلة، فإن خطر توسّع رقعة الصراع ليشمل أطرافاً جديدة ومناطق أخرى سيبقى قائماً، وهو ما يُحتم على القوى الكبرى التحرّك العاجل نحو حلول سياسية شاملة، تُنهي حالة الانزلاق الجماعي نحو حروب طويلة المدى وتُعيد ضبط النظام العالمي على قواعد أكثر توازنًا وعدلاً.