حرب إيران وإسرائيل: الأردن بين الحياد والسيادة
بسمة الحجايا
20-06-2025 01:13 PM
اندلعت الحرب، وخرج الصراع من الظل إلى النور، بعد أن ظل لسنوات طويلة يُدار في الخفاء بين إيران وإسرائيل، عبر ساحات متعددة وبوسائط غير مباشرة. اليوم، المنطقة تشهد مواجهة علنية بين قوتين إقليميتين، في أخطر لحظة تمرّ بها منذ عقود. وما كان يُخشى حدوثه وقع، وأصبح واقعًا يوميًا يُنقل على الشاشات، وتحسب له الدول حساباته الأمنية والعسكرية والدبلوماسية.
ورغم أن الحرب تدور فعليًا خارج حدود المملكة، إلا أن الأردن ليس بمنأى عن نيرانها السياسية والأمنية والاقتصادية. ففي الجغرافيا، نحن على تماس مع ثلاث جبهات ملتهبة: العراق وسوريا وفلسطين. وفي السياسة، نحن دولة محورية، نتحرك بهدوء ووعي، ونزن مواقفنا بميزان السيادة لا المصلحة العابرة، وبميزان الحياد الإيجابي لا الاصطفاف مع أي طرف. لهذا كان موقف الأردن، منذ اللحظة الأولى، واضحًا في التأكيد على رفضه لأي تصعيد عسكري في المنطقة، وعلى رفضه المطلق لاستخدام أراضيه أو أجوائه لأي عمل عسكري، تحت أي ذريعة أو ظرف.
منذ بداية التصعيد، تابع جلالة الملك عبد الله الثاني، بصفته القائد الأعلى وصاحب الرؤية العميقة في إدارة الأزمات الإقليمية، تطورات الحرب القائمة بين إيران وإسرائيل. وفي خطاباته وتحركاته الدولية، أرسل رسائل واضحة للمجتمع الدولي، بأن استقرار الشرق الأوسط لا يتحقق بالحروب، بل بالحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية، وبوقف الاحتلال، وإنهاء سياسات القمع والتهميش، لا سيما بحق الشعب الفلسطيني.
وبينما تشتد الضربات بين طهران وتل أبيب، وتنفتح الجبهات في الجنوب اللبناني وغرب العراق، يواصل الأردن دوره المحوري بهدوء وثقة. أجهزته الأمنية والعسكرية تتابع المستجدات بحرفية عالية، وتُدير الحدود بكفاءة ومسؤولية. أما القرار السياسي، فثابت لا يتزحزح: الأردن دولة ذات سيادة، لا تنجرّ، ولا تُستدرج، ولا تُستخدم منصة لصراعات لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
التحليلات السياسية تشير إلى أن هذه الحرب لن تكون قصيرة، وأنها قد تستمر لأسابيع وربما أكثر، ما لم تدخل القوى الكبرى بثقلها لفرض وقف لإطلاق النار. ويرى بعض المراقبين أن هذا التصعيد ليس سوى فصل من فصول إعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة، وأن نهايته لن تكون ميدانية، بل سياسية بامتياز. هناك من يربط ما يجري بالملف النووي الإيراني، وهناك من يرى أنه مقدمة لترتيبات جديدة في سوريا ولبنان، وحتى العراق.
لكن ما يهمنا كأردنيين، هو أن نحمي بلدنا، وأن نحافظ على استقراره، وأن نبقى ملتفين خلف قيادتنا التي تقود المشهد بميزان الحكمة والخبرة، لا بالعاطفة والانفعال. فالمواطن الأردني، الذي خبر مرارات الحروب من حوله، يريد أن يبقى وطنه آمنًا، وأن يرى في دولته جدار الصد الأول، وفي جيشه وأجهزته الأمنية العين الساهرة التي لا تنام.
الرسالة الأردنية اليوم لا لبس فيها: نحن مع السلام، ولسنا مع الحروب. نحن مع الحل العادل، ولسنا مع التصعيد. ونحن مع الاستقلال في القرار، لا مع التبعية لأي محور. في زمن تتكلم فيه المدافع، يبقى صوت العقل الأردني هو الأكثر حضورًا، والأكثر احترامًا، لأن هذا الصوت لا ينبع من ضعف، بل من وعي، ومن إرث طويل من الاعتدال والحكمة.
لن تكون هذه الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط، لكنها واحدة من أخطرها. والمطلوب اليوم أن نستمر في حماية جبهتنا الداخلية، وأن نُدرك أن ما يحدث حولنا ليس بعيدًا، لكنه أيضًا لن يكون قادرًا على اختراقنا ما دمنا متمسكين بثوابتنا، وواعين لحجم التحدي، ومؤمنين بقدرتنا على عبوره.
الأردن اليوم، كما كان دومًا، يقف في صف السيادة، في وجه الفوضى، ويقول للعالم: لسنا مع الحرب، لكننا نعرف كيف نحمي بلدنا إن اقتربت منا نيرانها