ماذا يعني إعلان خامنئي عن قيادات بديلة في حال اغتياله؟
صالح الشرّاب العبادي
22-06-2025 12:25 AM
في لحظة فارقة من التصعيد غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، ومع تصاعد التهديدات العلنية من قبل واشنطن وتل أبيب باغتيال رأس الهرم في النظام الإيراني، خرجت طهران لتفصح لأول مرة وبشكل غير مباشر عن خطة طوارئ قيادية ، تُعِدّها مؤسسات الدولة للحظة غياب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
فماذا يعني أن يعلن المرشد الإيراني، أو من حوله، وجود قيادات بديلة جاهزة لتولي زمام الحكم في حال اغتياله؟ وما دلالات هذه الخطوة على الداخل الإيراني، وعلى مستقبل النظام، وعلى توازن القوى في الإقليم الملتهب؟.
أولًا: اعتراف مبكر بتهديد وجودي
إن مجرد التفكير، والإعلان، بإعداد بدائل قيادية للمرشد الأعلى، يحمل اعترافًا ضمنيًا بخطر جدي يُهدد حياته، خاصة بعد الضربات المتلاحقة التي طالت شخصيات بارزة في الحرس الثوري، كان آخرهم ضباط رفيعو المستوى وعلماء ذرة وقيادات الصف الاول .
فقد كانت الاغتيالات السياسية في تاريخ إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 جزءًا من الصراع الدولي والإقليمي، لكن ما يجري اليوم مختلف من حيث التوقيت والتهديد: إذ تأتي هذه الخطوة في ذروة استهداف رموز النظام، وفي ظل تقارير استخبارية غربية تتحدث عن مخططات متقدمة لشل رأس القيادة الإيرانية.
ثانيًا: تحصين النظام من الانهيار الداخلي
من الناحية الدستورية، فإن المرشد هو حجر الزاوية في الهيكل الإيراني، وغيابه دون ترتيبات مسبقة يعني فراغًا خطيرًا قد يطلق سباق خلافة شرس داخل التيارات الدينية والسياسية، وربما بين المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وبالتالي، فإن ما جرى هو خطوة تحصينية مبكرة من النظام للحفاظ على تماسكه، وتجنب أي انقسام محتمل، خصوصًا بعد حادث الطائرة الغامض الذي أعاد للأذهان هشاشة التوازنات الداخلية.
ثالثًا: غياب الوراثة.. وإبعاد موجتبى .
ربما تكون النقطة الأهم في هذا الإعلان هي استبعاد نجل المرشد “موجتبى خامنئي” ووضعه ضمن قائمة الأسماء المطروحة بشكل غير مباشر، على الرغم من أنه يملك نفوذًا واسعًا خلف الكواليس.
وبهذا، يسعى النظام لإرسال رسالة مزدوجة ، أن الجمهورية الإسلامية ليست ملكًا شخصيًا تنتقل بالوراثة، وثانيًا أن المرحلة القادمة تتطلب قيادة تحظى بشرعية مؤسسية ودينية، لا شرعية النسب.
هذا القرار قد يُرضي بعض التيارات الإصلاحية، ويطمئن الحرس الثوري بأن لا تأليه عائليًا للسلطة، بل سيبقى النظام في قبضة المؤسسية الأمنية الدينية.
رابعًا: رسائل ردع موجّهة للخارج
لا يمكن فصل هذه الخطوة عن الرسائل التي تبعث بها إيران لإسرائيل والولايات المتحدة، فهي تقول بوضوح: حتى لو نجحتم في اغتيال المرشد، لن تسقط الدولة، ولن تنكسر القيادة، بل هناك جهاز جاهز يتولى القيادة فورًا.
وهنا تتجلى البراعة السياسية في استخدام التهديد كأداة لتعزيز الردع، وتحويل نقطة الضعف وهي احتمال الاغتيال إلى رسالة قوة واستمرارية.
خامسًا: صراع محتمل داخل النظام نفسه
لكن، هذا الإعلان لا يخلو من المخاطر أيضًا ، إذ إن طرح عدة بدائل قد يفتح باب الصراع على الشرعية، خاصة إذا غابت شخصية جامعة بحجم خامنئي. وقد تتنافس التيارات المتشددة مع الإصلاحيين، ويظهر نفوذ غير مسبوق للمؤسسة العسكرية داخل القرار السياسي والديني.
إن مجرد وجود أسماء، يُمكن أن تصبح مرشدًا، يعني أن هناك أطرافًا في النظام بدأت تفكر بما بعد خامنئي، وقد تتسارع التفاهمات أو التنازعات، خصوصًا بين مجلس خبراء القيادة والحرس الثوري، وربما أيضًا بين قم وطهران.
سادسًا: إقليم ما بعد خامنئي.. هل يتغير شيء؟
ربما لن ينهار الحلف الإقليمي لإيران بمجرّد غياب المرشد الحالي، لكنّ طبيعة القيادة الجديدة ستؤثر حتمًا في مواقف الحرب الدائرة والعلاقات مع الأذرع المزروعة في الاقليم ..
فقيادة أكثر واقعية وانفتاحًا قد تميل لخفض التوتر، في حين أن قيادة أكثر تشددًا قد تذهب نحو المواجهة الكبرى.
وفي كل الحالات، فإن تحرك إيران نحو تأمين مستقبل القيادة يعني أن إيران دخلت مرحلة انتقالية فعلية، حتى لو لم يُغيب الموتُ قائدها بعد.
ما بين سطور هذا الإعلان، تكمن قصة تحوّل غير مُعلن: فالنظام الذي طالما وُصف بالثيوقراطي المتصلب، بدأ يُدرك حتميّة التحوّل، واستحالة التمسك بزعيم واحد أو قيادة مهدوية أبدية.
إنّه إعلان عن القيادة في زمن الخطر، ورسالة بأن إيران وهي تحت القصف، وتحت التهديد، تملك بدائل استراتيجية لا تُفكك الدولة بل تُعيد إنتاجها بوجوه جديدة.
وإذا ما تم اغتيال المرشد فعلًا، فإن إيران لن تخرج فقط بزعيم جديد، بل ربما بنظام جديد أيضًا… في الشكل إن لم يكن في الجوهر.